البريد في الدولة المهدية

عَرِف السودان البريد ونُظُمه الحديثة خلال حكم الباشوية والخديوية، حيث وجَدَ هذا المرفق المهم والحساس عناية كبيرة من قبل محمد علي باشا وخلفائه الذين تعاقبوا على حكم السودان منذ العام ١٨٢١م، وحتى تحرير الخرطوم في ٢٦ يناير ١٨٨٥م.

اقرأ المزيد
معرض الصور
No items found.
Pointing at Speaker
نُشر بتاريخ
17/2/25
المؤلف:
حاتم الصديق محمد أحمد
المحرر:
سارة النقر
المحرر:
سارة النقر
مأمون التلب
المترجم:
المترجم:
خالدة محمد نور
النتيجة

  /  

العب مرة أخرى

  /   الاجابات

الدولة المهدية

(١٣٠٢-١٣١٦ ه /١٨٨٥-١٨٩٨م )

عَرِف السودان البريد ونُظُمه الحديثة خلال حكم الباشوية والخديوية، حيث وجَدَ هذا المرفق المهم والحساس عناية كبيرة من قبل محمد علي باشا وخلفائه الذين تعاقبوا على حكم السودان منذ العام ١٨٢١م، وحتى تحرير الخرطوم في ٢٦ يناير ١٨٨٥م. ومن العوامل المهمة التي أسهمت في تطور نظام البريد في السودان اتساع رقعة البلاد في عهد الخديوي إسماعيل، والذي يمكن أن نُطلق عليه رائد التحديث في السودان، حيث عمل على ربط جميع مناطق السودان في ذلك الوقت بشبكة من البريد والتلغراف الحديث، كما ربط جميع موانئ البحر الأحمر -مثل زيلع وبربرة وهرر ومصوع- بسواكن التي كانت تمثِّل مركزَ وحاضرة تلك الموانئ بالإسكندرية والقاهرة. وبالنسبة للمناطق الداخلية، تم ربط جميع أقاليم السودان المختلفة بشبكة من التلغراف، مثل إقليم دارفور وبحر الغزال والاستوائية وشرق السودان، بالعاصمة الخرطوم، ومنها إلى القاهرة كأطول خطوط تلغراف في القارة في ذلك الوقت. وبالإضافة للتلغراف كانت الحاجة كبيرة إلى ربط أجزاء السودان بخدمة البريد والتي لَعِبَت الجمال، والخيول، والسفن النهرية والمراكب؛ دوراً مهماً في تفعيلها ونجاحها طوال حكم الباشوية والخديوية في السودان. ونتيجة لذلك انتشرت نقاط التلغراف في العديد من المدن والحواضر مثل حلفا ودنقلا وبربر والخرطوم وكسلا وسواكن والقضارف والأبيض والفاشر وواو وغيرها من المدن الكبيرة في ذلك الوقت، ووجدت خدمة البريد اهتماماً كبيراً من قبل الحكمداريين الذين تعاقبوا على حكم السودان، لأنها كانت تُمثّل لهم إحدى الوسائل المهمة والضرورية في نقل أخبار التجارة والتجار والأجانب والمعاملات الحكومية اليومية المختلفة، وقد أسهمت هذه الخدمة في تسهيل وربط أجزاء السودان المختلفة.

 بعد تحرير الخرطوم بتاريخ ٢ يناير ١٨٨٥م على يد قوات الإمام المهدي، اهتمَّت الدولة المهدية بخدمة البريد وذلك لدورها المهم والفاعل في إدارة الدولة وإيصال المحررات والخطابات للعمالات المختلفة، وما يدلّ على اهتمام الخليفة عبد الله بأمر البريد أنه خصص كَتَبَةً مُحددين مع كل أمير، وأطلق عليه اسم (كَتَبَة السر)، وعمل أيضاً على اختيار أفضل الرجال الذين يمتازون بالصدق والأمانة وكتم الأسرار في نقل بريد الدولة لأطرافها المختلفة، وكذلك عمل على تخصيص أفضل الهجن والخيول لحاملي البريد، وأمر بتقديم التسهيلات اللازمة لهم من قبل أمراء وقادة المهدية في المناطق المختلفة التي يمر عبرها البريد، وأعطاهم أوامر مكتوبة تُسهم في تَسهيل مهمتهم في حالة احتاج الواحد منهم لتقديم خدمة من حاكم المنطقة المحددة أو من عامة الناس.

 كلَّف الخليفة عبد الله أربعة من الكتبة للقيام بتحرير رسائله وخطاباته المختلفة للعملاء والقادة والأمراء والمشايخ، وقد أطلق عليهم اسم (المخصوصين) أي الكُتاب الخاصِّين بكتابة خطابات الخليفة عبد الله، ولأهمية البريد لدى الخليفة كان يخصص وقتاً محدداً في صباح كل يوم للاطلاع على الرسائل الواردة من العمالات، والتي كان يصحبها تقرير شفهي من حامل البريد، وهو تقرير مُكمِّل لما احتوته الرسالة، وقد كان الخليفة يعتمد على التقرير الشفاهي بجانب المكتوب في اتخاذ قراراته، وذلك بسبب عدم تمكن الخليفة من زيارة أقاليم الدولة المختلفة. إضافةً لكَتَبَة الرسائل عند الخليفة عبد الله، كان هناك كَتبة محددين للأمير يعقوب (جراب الرأي) الرجل الثاني في الدولة بعد الخليفة، وأيضاً كان لكلّ أمير أو عامل عمالة عدد من الكتبة، وأيضاً كان لقادة الجيش والرايات المختلفة عدد من الكَتَبة، وحتى يتم اعتماد الخطابات والرسائل في الدولة المهدية كان لابد من أن تكون مختومة بختم صاحبها، حيث أن الختم دليلٌ على صحّة ما وَرَد في الرسالة، لذلك ظهرت الأختام في الدولة المهدية حيث كان للإمام المهدي أربعة أختام، نُقِشَ على الأول منها عبارة "لا إله إلا الله محمد رسول الله محمد أحمد المهدي عبد الله ١٢٩٢هـ"،  ويُعتبر هذا الختم أول أختام الإمام المهدي. وقد كان ختم الخليفة عبد الله بيضاوي الشكل نُقِشَت عليه عبارة "حسبنا الله ونعم الوكيل". وبإلاضافة للمهدي والخليفة عبد الله، كان لكل أمير وقائد وعامل في الدولة المهدية ختمه الخاص، ولا يُسمح له باستبداله أو عمل واحدٍ آخر في حالة ضياعه إلا بإذن مكتوب من الخليفة عبد الله.

ولكي تستمر الدولة المهدية في إنجاز مهامّها الكتابية، كان الاعتماد في الكتابة على الورق الذي تحصَّلت عليه المهدية الباشوية والخديوية السابقة في السودان، ولكن على الرغم من الكمّيات الكبيرة من الورق، إلا أن الدولة واجهت مشكلة شُحٍّ واضحةٍ في الورق، لذلك صدرت الأوامر من الخليفة عبد الله والأمير يعقوب لجميع الأمراء والقادة والعمال في العمالات المختلفة، تأمرهم بترشيد استخدام الورق وعدم الكتابة على الورق إلا في الأمور المهمة والتي تحتاج لورق.

من خلال تتبع نظام البريد في الدولة المهدية، نجد أن هناك مجموعات من الأفراد ينتمون لقبائل محددة قد عملوا في خدمة البريد؛ منهم العبابدة، والجعليين والتعايشة والهدندوة، ولتطوير هذا الجهاز المهم والحساس في الدولة المهدية قدَّم أمين بيت المال إبراهيم ود عدلان (١٣٠٢-١٣٠٧ه/١٨٨٥-١٨٨٩م) مقترحاً مهماً يستهدف تطوير وزيادة فاعلية نظام البريد في الدولة، ولكن مقترحه لم يجد القبول من قبل الخليفة عبد الله الذي فضَّل الاستمرار في النظام التقليدي للبريد.

عموماً هناك عدد من المهام التي نجح البريد في إنجازها في الدولة المهدية بصورة عملية منها:

  • ربط أقاليم الدولة المختلفة بالعاصمة أم درمان.
  • سهَّل على الخليفة عبد الله الحصول على المعلومة بطرق مختلفة، ومكَّنه من متابعة الأمراء والقادة والعمال في عمالاتهم.
  • زيادة فاعلية النظام الاستخباراتي في الدولة المهدية.

لوحة الغلاف من تصميم هند عبد الباقي

No items found.
نُشر بتاريخ
17/2/25
المؤلف:
حاتم الصديق محمد أحمد
Editor
سارة النقر
مأمون التلب
المحرر:
سارة النقر
مأمون التلب
المترجم:
Translator
خالدة محمد نور

الدولة المهدية

(١٣٠٢-١٣١٦ ه /١٨٨٥-١٨٩٨م )

عَرِف السودان البريد ونُظُمه الحديثة خلال حكم الباشوية والخديوية، حيث وجَدَ هذا المرفق المهم والحساس عناية كبيرة من قبل محمد علي باشا وخلفائه الذين تعاقبوا على حكم السودان منذ العام ١٨٢١م، وحتى تحرير الخرطوم في ٢٦ يناير ١٨٨٥م. ومن العوامل المهمة التي أسهمت في تطور نظام البريد في السودان اتساع رقعة البلاد في عهد الخديوي إسماعيل، والذي يمكن أن نُطلق عليه رائد التحديث في السودان، حيث عمل على ربط جميع مناطق السودان في ذلك الوقت بشبكة من البريد والتلغراف الحديث، كما ربط جميع موانئ البحر الأحمر -مثل زيلع وبربرة وهرر ومصوع- بسواكن التي كانت تمثِّل مركزَ وحاضرة تلك الموانئ بالإسكندرية والقاهرة. وبالنسبة للمناطق الداخلية، تم ربط جميع أقاليم السودان المختلفة بشبكة من التلغراف، مثل إقليم دارفور وبحر الغزال والاستوائية وشرق السودان، بالعاصمة الخرطوم، ومنها إلى القاهرة كأطول خطوط تلغراف في القارة في ذلك الوقت. وبالإضافة للتلغراف كانت الحاجة كبيرة إلى ربط أجزاء السودان بخدمة البريد والتي لَعِبَت الجمال، والخيول، والسفن النهرية والمراكب؛ دوراً مهماً في تفعيلها ونجاحها طوال حكم الباشوية والخديوية في السودان. ونتيجة لذلك انتشرت نقاط التلغراف في العديد من المدن والحواضر مثل حلفا ودنقلا وبربر والخرطوم وكسلا وسواكن والقضارف والأبيض والفاشر وواو وغيرها من المدن الكبيرة في ذلك الوقت، ووجدت خدمة البريد اهتماماً كبيراً من قبل الحكمداريين الذين تعاقبوا على حكم السودان، لأنها كانت تُمثّل لهم إحدى الوسائل المهمة والضرورية في نقل أخبار التجارة والتجار والأجانب والمعاملات الحكومية اليومية المختلفة، وقد أسهمت هذه الخدمة في تسهيل وربط أجزاء السودان المختلفة.

 بعد تحرير الخرطوم بتاريخ ٢ يناير ١٨٨٥م على يد قوات الإمام المهدي، اهتمَّت الدولة المهدية بخدمة البريد وذلك لدورها المهم والفاعل في إدارة الدولة وإيصال المحررات والخطابات للعمالات المختلفة، وما يدلّ على اهتمام الخليفة عبد الله بأمر البريد أنه خصص كَتَبَةً مُحددين مع كل أمير، وأطلق عليه اسم (كَتَبَة السر)، وعمل أيضاً على اختيار أفضل الرجال الذين يمتازون بالصدق والأمانة وكتم الأسرار في نقل بريد الدولة لأطرافها المختلفة، وكذلك عمل على تخصيص أفضل الهجن والخيول لحاملي البريد، وأمر بتقديم التسهيلات اللازمة لهم من قبل أمراء وقادة المهدية في المناطق المختلفة التي يمر عبرها البريد، وأعطاهم أوامر مكتوبة تُسهم في تَسهيل مهمتهم في حالة احتاج الواحد منهم لتقديم خدمة من حاكم المنطقة المحددة أو من عامة الناس.

 كلَّف الخليفة عبد الله أربعة من الكتبة للقيام بتحرير رسائله وخطاباته المختلفة للعملاء والقادة والأمراء والمشايخ، وقد أطلق عليهم اسم (المخصوصين) أي الكُتاب الخاصِّين بكتابة خطابات الخليفة عبد الله، ولأهمية البريد لدى الخليفة كان يخصص وقتاً محدداً في صباح كل يوم للاطلاع على الرسائل الواردة من العمالات، والتي كان يصحبها تقرير شفهي من حامل البريد، وهو تقرير مُكمِّل لما احتوته الرسالة، وقد كان الخليفة يعتمد على التقرير الشفاهي بجانب المكتوب في اتخاذ قراراته، وذلك بسبب عدم تمكن الخليفة من زيارة أقاليم الدولة المختلفة. إضافةً لكَتَبَة الرسائل عند الخليفة عبد الله، كان هناك كَتبة محددين للأمير يعقوب (جراب الرأي) الرجل الثاني في الدولة بعد الخليفة، وأيضاً كان لكلّ أمير أو عامل عمالة عدد من الكتبة، وأيضاً كان لقادة الجيش والرايات المختلفة عدد من الكَتَبة، وحتى يتم اعتماد الخطابات والرسائل في الدولة المهدية كان لابد من أن تكون مختومة بختم صاحبها، حيث أن الختم دليلٌ على صحّة ما وَرَد في الرسالة، لذلك ظهرت الأختام في الدولة المهدية حيث كان للإمام المهدي أربعة أختام، نُقِشَ على الأول منها عبارة "لا إله إلا الله محمد رسول الله محمد أحمد المهدي عبد الله ١٢٩٢هـ"،  ويُعتبر هذا الختم أول أختام الإمام المهدي. وقد كان ختم الخليفة عبد الله بيضاوي الشكل نُقِشَت عليه عبارة "حسبنا الله ونعم الوكيل". وبإلاضافة للمهدي والخليفة عبد الله، كان لكل أمير وقائد وعامل في الدولة المهدية ختمه الخاص، ولا يُسمح له باستبداله أو عمل واحدٍ آخر في حالة ضياعه إلا بإذن مكتوب من الخليفة عبد الله.

ولكي تستمر الدولة المهدية في إنجاز مهامّها الكتابية، كان الاعتماد في الكتابة على الورق الذي تحصَّلت عليه المهدية الباشوية والخديوية السابقة في السودان، ولكن على الرغم من الكمّيات الكبيرة من الورق، إلا أن الدولة واجهت مشكلة شُحٍّ واضحةٍ في الورق، لذلك صدرت الأوامر من الخليفة عبد الله والأمير يعقوب لجميع الأمراء والقادة والعمال في العمالات المختلفة، تأمرهم بترشيد استخدام الورق وعدم الكتابة على الورق إلا في الأمور المهمة والتي تحتاج لورق.

من خلال تتبع نظام البريد في الدولة المهدية، نجد أن هناك مجموعات من الأفراد ينتمون لقبائل محددة قد عملوا في خدمة البريد؛ منهم العبابدة، والجعليين والتعايشة والهدندوة، ولتطوير هذا الجهاز المهم والحساس في الدولة المهدية قدَّم أمين بيت المال إبراهيم ود عدلان (١٣٠٢-١٣٠٧ه/١٨٨٥-١٨٨٩م) مقترحاً مهماً يستهدف تطوير وزيادة فاعلية نظام البريد في الدولة، ولكن مقترحه لم يجد القبول من قبل الخليفة عبد الله الذي فضَّل الاستمرار في النظام التقليدي للبريد.

عموماً هناك عدد من المهام التي نجح البريد في إنجازها في الدولة المهدية بصورة عملية منها:

  • ربط أقاليم الدولة المختلفة بالعاصمة أم درمان.
  • سهَّل على الخليفة عبد الله الحصول على المعلومة بطرق مختلفة، ومكَّنه من متابعة الأمراء والقادة والعمال في عمالاتهم.
  • زيادة فاعلية النظام الاستخباراتي في الدولة المهدية.

لوحة الغلاف من تصميم هند عبد الباقي