الترابُط المجتَمَعيّ

تُعد الاستطلاعات والمسوحات أكثر من مجرد وسيلة لجمع البيانات؛ إذ تُعتَبَر أيضاً من الأدوات القوية التي يمكن أن تساعد في بناء التفاهم والسلام، خاصة في المجتمعات التي تتميز بالتنوع الثقافي، أو تلك التي تأثَّرت بالنزاع.

اقرأ المزيد
معرض الصور
No items found.
Pointing at Speaker
نُشر بتاريخ
21/1/25
المؤلف:
آسيا محمود
المحرر:
سارة النقر
المحرر:
سارة النقر
مأمون التلب
المترجم:
المترجم:
النتيجة

  /  

العب مرة أخرى

  /   الاجابات

الترابُط المجتَمَعيّ
كيف تُسَاهِم عمليَّة المَسح والاستطلاعات في تعزيز التفاهُم والتَعَايُش

تُعد الاستطلاعات والمسوحات أكثر من مجرد وسيلة لجمع البيانات؛ إذ تُعتَبَر أيضاً من الأدوات القوية التي يمكن أن تساعد في بناء التفاهم والسلام، خاصة في المجتمعات التي تتميز بالتنوع الثقافي، أو تلك التي تأثَّرت بالنزاع. تُساعد الاستطلاعات والمسوحات في الكشف عن القواسم المشتركة عن طريق طرح الأسئلة المناسبة، وتسليط الضوء على التجارب المشتركة لجمع المجموعات المختلفة معاً. ففي المجتمعات التي تتسم بالانقسامات العميقة، يمكن لعملية الاستطلاعات والمسح أن تُوفِّر مساحة محايدة لإيجاد نقاط للحوار والتصالح، مما يجعلها ضرورية لتعزيز التعايش السلمي.

في جوهرها، يتم تصميم الاستطلاعات والمسوحات لجمع وجهات النظر والتجارب من الأفراد في المجتمعات المختلفة للمساعدة في فهم احتياجاتهم وقيمهم ومخاوفهم. لذلك تكمن قوة الاستطلاعات في قدرتها على الوصول إلى أفراد المجتمعات المتنوعة، مما يضمن سماع صوت كلٍّ منهم. ونجد أن المناطق التي تكثر فيها التوترات، سواء بسبب الإثنية أو الدين أو السياسة، يمكن للاستطلاعات أن تكشف أن أفرادها -بغضّ النظر عن خلفياتهم- غالباً ما يَتشاركون نفس الآمال والتحديات والرغبات. ويمكن تمثل هذه المُشتركات نقطة انطلاق لبناء التفاهم وكسر الحواجز بين أفراد هذه المجموعات.

على سبيل المثال، يمكن للاستطلاعات التي تُجرى في بعض المناطق التي تعيش فترة ما بعد النزاع، أن تكشف عن بعض القضايا الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية أو الفرص الاقتصادية. هذه القضايا المشتركة تُسلِّط الضوء على الطرق التي تواجه بها المجموعات المختلفة تحديات متشابهة، مما يشجعهم على التركيز على ما يوحِّدهم بدلاً عن ما يفرقهم عن طريق تسليط الضوء على قضاياهم المشتركة. لهذا تساعد الاستطلاعات في تعزيز الحوار بين المجتمعات، مما يخلق أساساً للتعاون والسلام.

فعلى سبيل المثال نجد "مَسح الثقافة المادية في دارفور" أحد أقوى الأمثلة على استخدام عملية المسوح كأداة لدعم عملية التضمين، والكيفيَّة التي رَبَطَت بها المسوحات بين أفرادٍ من مجتمعات وخلفيّات ثقافية وإثنية مختلفة. تم إجراء المسح الثقافي المادي بواسطة معهد الدراسات الإفريقية والآسيوية بالتعاون مع جامعة نيالا، وفرق باحثين يُمثِّلون جميع ولايات دارفور، بالشراكة مع مشروع متاحف غرب السودان المجتمعية والهيئة القومية للآثار والمتاحف (NCAM). قام الباحثون بتوثيق أدوات العمل اليومية مثل (الأدوات الزراعية وأدوات الطهي والملبوسات التقليدية) إذ نجد هذه الأشياء على الرغم من تنوع تصميمها بطرق مختلفة حسب المنطقة، إلا أنها كانت تؤدّي وظائف مشابهة في حياة الناس اليومية.

فمثلاً، من بين تلك الأدوات البارزة كان "المركوب"، وهو نوع من الأحذية الجلدية التقليدية التي تُرتدى في جميع أنحاء السودان. فعلى الرغم من أن نوع الجلود والتصاميم المُستخدمة في صنعه تختلف من منطقة إلى أخرى، إلا أنه يؤدي نفس الغرض، وهو توفير الراحة والحماية عند الارتداء. وبالمثل، كانت الأواني الفخارية المستخدمة للطهي وتخزين الطعام في المجتمعات السودانية المتنوعة أيضاً تحمل من السمات مشتركة ما يعكس طرقاً مشابهة للتكيّف مع بيئة المنطقة. وهكذا نجد في هذه الممارسات الثقافية البسيطة المشتركة ما يتجاوز الخطوط الإثنية.

لذلك من خلال تسليط الضوء على هذه الممارسات المشتركة، كان هذا المسح للثقافة المادية أكثر من مجرد توثيق للقطع الثقافية؛ فهو قد ساعد أيضاً في خلق شعور بالتشارك والوحدة. وأن يرى أفراد المجتمعات، من خلفيات مختلفة، تقاليدهم الخاصة تنعكس في مقتنيات الآخرين، فذلك ما يثير لديهم شعوراً بالتواصل والتضمين. قام المعرض التي نظمه مشروع متاحف غرب السودان في متحف دارفور في نيالا بعرض نتائج الاستطلاع، حيث أُتيحت الفرصة للزوّار للتفاعل مع المعروضات عن قرب، مما خلق نوعاً من التذكير بالقِيم والتجارب المشتركة التي تجمع مجتمعاتهم معاً. بالتالي يساعد هذا النوع من التبادل الثقافي على سدّ الفجوات بين المجتمعات، وتحويل الاختلافات إلى فرص للمشاركة والتفاهم المتبادل.

تلعب الاستطلاعات والمسوحات أيضاً دوراً مهماً في تحديد مصادر الاختلاف، وهو أمر بالغ الأهمية لجهود بناء السلام، إذ تسمح هذه الرؤى لصُنَّاع السياسات وقادة المجتمع بالتعامل مع الأسباب الجذرية للنزاعات والخلافات والعمل نحو حلول تفيد الجميع. وبهذا المعنى، تعمل الاستطلاعات والمسوحات كأداة تشخيصية للمجتمعات التي تحتاج إلى أرضية مشتركة لتحفيز الترابط والوحدة.

ومن الفوائد الأخرى الكبيرة للاستطلاعات والمسوحات، هي أنها تعطي صوتاً للمجتمعات التي تُعاني الإحساس بالتهميش أو الاستبعاد من الحوار وعمليات اتخاذ القرارات، خاصة في المناطق التي تعرَّضت للنزاع. لذلك تُوفِّر الاستطلاعات والمسوحات فرصة لأفراد هذه المجتمعات لمشاركة تجاربهم ووجهات نظرهم، بالتالي عندما يتم تضمين المجموعات الذين يشعرون بأن أصواتهم غير مسموعة في الحوار، فإن ذلك لا يمنحهم شعوراً بالتضمين والمشاركة فحسب، بل يضمن أيضاً أن تكون جهود بناء السلام أكثر شمولًا وتمثيلًا لكافة أفراد المجتمع.

ونجد أيضاً من العناصر الأساسية في أيّ عملية سلام ناجحة عُنُصرا الثقة والشفافية، وتساعد الاستطلاعات في بناء كليهما. إذ نجد في المجتمعات التي تعيش مرحلة ما بعد النزاع، أن ثقة المجموعات المختلفة تصبح هشة. لذلك توفر الاستطلاعات تقييمات ورؤى قيمة حول حالة الثقة الاجتماعية، من خلال تقييم كيفية نظر الأفراد في تلك المجتمعات إلى المؤسسات، مثل الحكومة أو القادة المحليين، وهذا يساعد على فهم العوامل التي تُقَوِّي أو تُضعِف الثقة في المجتمع، وتُساعِد أيضاً في تصميم آليات التعامل اللازمة التي تُعالِج هذه القضايا، سواءً من خلال إشراك المجتمع أو إعادة بناء المؤسسات الاجتماعية.

تُساعد الاستطلاعات والمُسوحات، مثل التي أَجرَتها جامعة نيالا مع فِرَق البحث من جميع ولايات دارفور، في تعزيز الثقة من خلال التركيز على النقاط التي تُوحِّد الأفراد والجماعات بدلاً من تلك التي تُفَرِّقهم، وذلك من خلال تسليط الضوء على الممارسات الثقافية المشتركة على سبيل المثال. إذ يَخلق نهج الاستطلاعات والمسوحات وسيلةً للمشاركة، تُشَجِّع الناس على رؤية علاقتهم ببعضهم البعض كعلاقة جِيرَة وتكامل. لذلك نجد أن هذا النهج يُساعد في تحويل التركيز من الاختلافات إلى التركيز على الأهداف المشتركة، مما يضع الأُسُس اللازمة للسلام والاستقرار على المدى الطويل.

من ناحية أخرى، تُوفِّر الاستطلاعات والمسوحات أيضًا وسيلة لمتابعة التقدم في الجهود المختلفة؛ مثل جهود بناء السلام في المجتمعات التي تتعافَى من النزاع، فمن المهم قياس ما إذا كانت جهود التضمين بمختلف أنواعه تُحقِّق تأثيراً حقيقياً أم لا. فمن خلال جمع البيانات حول مواقف الأفراد تجاه مجتمعاتهم وتقاليدهم وثقافاتهم، تُوفِّر الاستطلاعات والمسوحات ملاحظات ضرورية للأجسام الرسمية مثل (الحكومات والمنظمات غير الحكومية ومبادرات السلام والتنمية والمنظمات والمشاريع المختلفة)، إذ تَضمَن هذه الملاحظات والتقييمات المستمرة تطور وفاعلية استراتيجيات التضمين وبناء السلام لتلبية احتياجات هذه المجتمعات.

ختاماً، تعد الاستطلاعات والمسوحات أكثر من مجرد أدوات لجمع البيانات، فهي تعمل كأداة تساعد في تعزيز التعايش السلمي وهذا من خلال تسليط الضوء على الممارسات والنشاطات وطرق الحياة المشتركة، والكشف عن أوجه التشابه، ومنح الأصوات المهمشة منصة لسماعهم. وهكذا تساعد الاستطلاعات والمسوحات في سدّ الفجوات بين المجتمعات وتعزيز التفاهم المتبادل. ويوضّح لنا "مسح الثقافة المادية في دارفور" كمثال، قدرة الاستطلاعات والمسوحات في جمع أوجه التشابه بين المجتمعات باستخدام الممارسات والأدوات الثقافية المشتركة كأساس للوحدة. لذلك، يمكن القول إن الاستطلاعات والمسوحات تُوفِّر وسيلةً للمجتمعات للتفكير والتركيز على ما يجمعهم معاً، مما يساعد على بناء التفاهم والتعاون اللازمين لتحقيق السلام المستدام.

صورة الغلاف: بائع مراكيب، تشتهر مدينتي نيالا والفاشر بصناعة أحذية تقليدية تسمى مركوب، وهي أحذية رجالية مصنوعة من جلود الحيوانات. © عصام أحمد عبد الحفيظ، جنوب دارفور

No items found.
نُشر بتاريخ
21/1/25
المؤلف:
آسيا محمود
Editor
سارة النقر
مأمون التلب
المحرر:
سارة النقر
مأمون التلب
المترجم:
Translator
الترابُط المجتَمَعيّ
كيف تُسَاهِم عمليَّة المَسح والاستطلاعات في تعزيز التفاهُم والتَعَايُش

تُعد الاستطلاعات والمسوحات أكثر من مجرد وسيلة لجمع البيانات؛ إذ تُعتَبَر أيضاً من الأدوات القوية التي يمكن أن تساعد في بناء التفاهم والسلام، خاصة في المجتمعات التي تتميز بالتنوع الثقافي، أو تلك التي تأثَّرت بالنزاع. تُساعد الاستطلاعات والمسوحات في الكشف عن القواسم المشتركة عن طريق طرح الأسئلة المناسبة، وتسليط الضوء على التجارب المشتركة لجمع المجموعات المختلفة معاً. ففي المجتمعات التي تتسم بالانقسامات العميقة، يمكن لعملية الاستطلاعات والمسح أن تُوفِّر مساحة محايدة لإيجاد نقاط للحوار والتصالح، مما يجعلها ضرورية لتعزيز التعايش السلمي.

في جوهرها، يتم تصميم الاستطلاعات والمسوحات لجمع وجهات النظر والتجارب من الأفراد في المجتمعات المختلفة للمساعدة في فهم احتياجاتهم وقيمهم ومخاوفهم. لذلك تكمن قوة الاستطلاعات في قدرتها على الوصول إلى أفراد المجتمعات المتنوعة، مما يضمن سماع صوت كلٍّ منهم. ونجد أن المناطق التي تكثر فيها التوترات، سواء بسبب الإثنية أو الدين أو السياسة، يمكن للاستطلاعات أن تكشف أن أفرادها -بغضّ النظر عن خلفياتهم- غالباً ما يَتشاركون نفس الآمال والتحديات والرغبات. ويمكن تمثل هذه المُشتركات نقطة انطلاق لبناء التفاهم وكسر الحواجز بين أفراد هذه المجموعات.

على سبيل المثال، يمكن للاستطلاعات التي تُجرى في بعض المناطق التي تعيش فترة ما بعد النزاع، أن تكشف عن بعض القضايا الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية أو الفرص الاقتصادية. هذه القضايا المشتركة تُسلِّط الضوء على الطرق التي تواجه بها المجموعات المختلفة تحديات متشابهة، مما يشجعهم على التركيز على ما يوحِّدهم بدلاً عن ما يفرقهم عن طريق تسليط الضوء على قضاياهم المشتركة. لهذا تساعد الاستطلاعات في تعزيز الحوار بين المجتمعات، مما يخلق أساساً للتعاون والسلام.

فعلى سبيل المثال نجد "مَسح الثقافة المادية في دارفور" أحد أقوى الأمثلة على استخدام عملية المسوح كأداة لدعم عملية التضمين، والكيفيَّة التي رَبَطَت بها المسوحات بين أفرادٍ من مجتمعات وخلفيّات ثقافية وإثنية مختلفة. تم إجراء المسح الثقافي المادي بواسطة معهد الدراسات الإفريقية والآسيوية بالتعاون مع جامعة نيالا، وفرق باحثين يُمثِّلون جميع ولايات دارفور، بالشراكة مع مشروع متاحف غرب السودان المجتمعية والهيئة القومية للآثار والمتاحف (NCAM). قام الباحثون بتوثيق أدوات العمل اليومية مثل (الأدوات الزراعية وأدوات الطهي والملبوسات التقليدية) إذ نجد هذه الأشياء على الرغم من تنوع تصميمها بطرق مختلفة حسب المنطقة، إلا أنها كانت تؤدّي وظائف مشابهة في حياة الناس اليومية.

فمثلاً، من بين تلك الأدوات البارزة كان "المركوب"، وهو نوع من الأحذية الجلدية التقليدية التي تُرتدى في جميع أنحاء السودان. فعلى الرغم من أن نوع الجلود والتصاميم المُستخدمة في صنعه تختلف من منطقة إلى أخرى، إلا أنه يؤدي نفس الغرض، وهو توفير الراحة والحماية عند الارتداء. وبالمثل، كانت الأواني الفخارية المستخدمة للطهي وتخزين الطعام في المجتمعات السودانية المتنوعة أيضاً تحمل من السمات مشتركة ما يعكس طرقاً مشابهة للتكيّف مع بيئة المنطقة. وهكذا نجد في هذه الممارسات الثقافية البسيطة المشتركة ما يتجاوز الخطوط الإثنية.

لذلك من خلال تسليط الضوء على هذه الممارسات المشتركة، كان هذا المسح للثقافة المادية أكثر من مجرد توثيق للقطع الثقافية؛ فهو قد ساعد أيضاً في خلق شعور بالتشارك والوحدة. وأن يرى أفراد المجتمعات، من خلفيات مختلفة، تقاليدهم الخاصة تنعكس في مقتنيات الآخرين، فذلك ما يثير لديهم شعوراً بالتواصل والتضمين. قام المعرض التي نظمه مشروع متاحف غرب السودان في متحف دارفور في نيالا بعرض نتائج الاستطلاع، حيث أُتيحت الفرصة للزوّار للتفاعل مع المعروضات عن قرب، مما خلق نوعاً من التذكير بالقِيم والتجارب المشتركة التي تجمع مجتمعاتهم معاً. بالتالي يساعد هذا النوع من التبادل الثقافي على سدّ الفجوات بين المجتمعات، وتحويل الاختلافات إلى فرص للمشاركة والتفاهم المتبادل.

تلعب الاستطلاعات والمسوحات أيضاً دوراً مهماً في تحديد مصادر الاختلاف، وهو أمر بالغ الأهمية لجهود بناء السلام، إذ تسمح هذه الرؤى لصُنَّاع السياسات وقادة المجتمع بالتعامل مع الأسباب الجذرية للنزاعات والخلافات والعمل نحو حلول تفيد الجميع. وبهذا المعنى، تعمل الاستطلاعات والمسوحات كأداة تشخيصية للمجتمعات التي تحتاج إلى أرضية مشتركة لتحفيز الترابط والوحدة.

ومن الفوائد الأخرى الكبيرة للاستطلاعات والمسوحات، هي أنها تعطي صوتاً للمجتمعات التي تُعاني الإحساس بالتهميش أو الاستبعاد من الحوار وعمليات اتخاذ القرارات، خاصة في المناطق التي تعرَّضت للنزاع. لذلك تُوفِّر الاستطلاعات والمسوحات فرصة لأفراد هذه المجتمعات لمشاركة تجاربهم ووجهات نظرهم، بالتالي عندما يتم تضمين المجموعات الذين يشعرون بأن أصواتهم غير مسموعة في الحوار، فإن ذلك لا يمنحهم شعوراً بالتضمين والمشاركة فحسب، بل يضمن أيضاً أن تكون جهود بناء السلام أكثر شمولًا وتمثيلًا لكافة أفراد المجتمع.

ونجد أيضاً من العناصر الأساسية في أيّ عملية سلام ناجحة عُنُصرا الثقة والشفافية، وتساعد الاستطلاعات في بناء كليهما. إذ نجد في المجتمعات التي تعيش مرحلة ما بعد النزاع، أن ثقة المجموعات المختلفة تصبح هشة. لذلك توفر الاستطلاعات تقييمات ورؤى قيمة حول حالة الثقة الاجتماعية، من خلال تقييم كيفية نظر الأفراد في تلك المجتمعات إلى المؤسسات، مثل الحكومة أو القادة المحليين، وهذا يساعد على فهم العوامل التي تُقَوِّي أو تُضعِف الثقة في المجتمع، وتُساعِد أيضاً في تصميم آليات التعامل اللازمة التي تُعالِج هذه القضايا، سواءً من خلال إشراك المجتمع أو إعادة بناء المؤسسات الاجتماعية.

تُساعد الاستطلاعات والمُسوحات، مثل التي أَجرَتها جامعة نيالا مع فِرَق البحث من جميع ولايات دارفور، في تعزيز الثقة من خلال التركيز على النقاط التي تُوحِّد الأفراد والجماعات بدلاً من تلك التي تُفَرِّقهم، وذلك من خلال تسليط الضوء على الممارسات الثقافية المشتركة على سبيل المثال. إذ يَخلق نهج الاستطلاعات والمسوحات وسيلةً للمشاركة، تُشَجِّع الناس على رؤية علاقتهم ببعضهم البعض كعلاقة جِيرَة وتكامل. لذلك نجد أن هذا النهج يُساعد في تحويل التركيز من الاختلافات إلى التركيز على الأهداف المشتركة، مما يضع الأُسُس اللازمة للسلام والاستقرار على المدى الطويل.

من ناحية أخرى، تُوفِّر الاستطلاعات والمسوحات أيضًا وسيلة لمتابعة التقدم في الجهود المختلفة؛ مثل جهود بناء السلام في المجتمعات التي تتعافَى من النزاع، فمن المهم قياس ما إذا كانت جهود التضمين بمختلف أنواعه تُحقِّق تأثيراً حقيقياً أم لا. فمن خلال جمع البيانات حول مواقف الأفراد تجاه مجتمعاتهم وتقاليدهم وثقافاتهم، تُوفِّر الاستطلاعات والمسوحات ملاحظات ضرورية للأجسام الرسمية مثل (الحكومات والمنظمات غير الحكومية ومبادرات السلام والتنمية والمنظمات والمشاريع المختلفة)، إذ تَضمَن هذه الملاحظات والتقييمات المستمرة تطور وفاعلية استراتيجيات التضمين وبناء السلام لتلبية احتياجات هذه المجتمعات.

ختاماً، تعد الاستطلاعات والمسوحات أكثر من مجرد أدوات لجمع البيانات، فهي تعمل كأداة تساعد في تعزيز التعايش السلمي وهذا من خلال تسليط الضوء على الممارسات والنشاطات وطرق الحياة المشتركة، والكشف عن أوجه التشابه، ومنح الأصوات المهمشة منصة لسماعهم. وهكذا تساعد الاستطلاعات والمسوحات في سدّ الفجوات بين المجتمعات وتعزيز التفاهم المتبادل. ويوضّح لنا "مسح الثقافة المادية في دارفور" كمثال، قدرة الاستطلاعات والمسوحات في جمع أوجه التشابه بين المجتمعات باستخدام الممارسات والأدوات الثقافية المشتركة كأساس للوحدة. لذلك، يمكن القول إن الاستطلاعات والمسوحات تُوفِّر وسيلةً للمجتمعات للتفكير والتركيز على ما يجمعهم معاً، مما يساعد على بناء التفاهم والتعاون اللازمين لتحقيق السلام المستدام.

صورة الغلاف: بائع مراكيب، تشتهر مدينتي نيالا والفاشر بصناعة أحذية تقليدية تسمى مركوب، وهي أحذية رجالية مصنوعة من جلود الحيوانات. © عصام أحمد عبد الحفيظ، جنوب دارفور