الإحساس بالألوان

الخيال حول شعور ما قد يتأثر بالثقافة المحيطة بك، وحقيقة أنك لا تملك كلمة لوصفه لا تعني أنك لا تشعر به.

اقرأ المزيد
معرض الصور
No items found.
Pointing at Speaker
نُشر بتاريخ
17/2/25
المؤلف:
زينب .ع .م جعفر
المحرر:
سارة النقر
المحرر:
سارة النقر
مأمون التلب
المترجم:
هند عبد الباقي عبد القادر الزبير
المترجم:
النتيجة

  /  

العب مرة أخرى

  /   الاجابات

كسودانية أتحدث العربية، وكامرأة (أذكر هذه المقدمة فقط في حال وجدتها ذات صلة)، عشتُ دائماً في بلدان يغلب فيها التحدث بالعربية، سواء في السودان أو في الخليج العربي. كانت تصوري للغة قائمًا على مدى اختلاف اللهجات العربية، والاختلافات اللغوية بين العربية والإنجليزية، بما أني أعرف لغتين فقط.
 بالنسبة لي، جاءت هذه الاختلافات من الثقافة وتطور اللغة. على سبيل المثال، كلمتا landscape  وskyline  ليس لهما مكافئ دقيق في اللغة العربية، بل تُترجمان تقريبًا إلى "مشهد طبيعي" و"أفق"، والتي تعني أشياء متعددة مثل الأفق، الاحتمالات، والميل. وهناك أيضًا كلمات جديدة مثل "networking"، التي لها ترجمة حرفية (تشبيك) لكن لا أحد يستخدمها لأن الكلمة الإنجليزية أكثر شيوعًا. ما هو معقد وجميل في اللغة العربية هو أنه، مثل كلمة الأفق، قد تعني العديد من الأشياء الأخرى، ولكن يمكنك أيضًا أن تجد مليون كلمة لوصف الحب، على سبيل المثال.

اليوم، لم أعد أعيش في بلد يغلب فيه التحدث بالعربية، وأصبحت الإنجليزية هي اللغة التي أستخدمها يوميًا بشكل أساسي. ومع تعلمي المزيد عن ثقافات الآخرين واستخداماتهم للغة، اكتسبت منظورًا جديدًا لم أكن على دراية به من قبل.
 في أحد الأيام، عُرض عليّ قطعة من الكعك، أخذت قضمة واحدة، ولكن بسبب ثقلها لم أتمكن من تناول المزيد. في اللهجة السودانية لدينا كلمة لوصف هذا الإحساس، وهي "قَهَم" وعادة ما يُضاف لها بادئة أو لاحقة لتوضيح من مرّ بهذه التجربة.
 لا، الكلمة لا تعني الشبع أو الامتلاء، لأنك قد تكون قادرًا على تناول المزيد، لكن عدم القدرة يأتي من ثقل الطعام أو حلاوته الزائدة، أو حتى مجرد رؤيته.

عندما أعود إلى فهمي الجديد، ما وجدته مثيرًا للاهتمام ليس مجرد غياب كلمة إنجليزية مكافئة، بل أن أصدقائي لم يفهموا الشعور الذي كنت أصفه على الإطلاق. كان هذا منظورًا معاكسًا لمعرفتي السابقة. غياب الكلمات يزيل الإحساس المرتبط بها. معلومة ممتعة قبل أن أواصل: هذه الكلمة موجودة في الثقافة المكسيكية، ولكن عندما تُستخدم لوصف شخص ما، فإنها تعني أنه مليء بالمجاملات الزائفة أو غير المخلصة، بينما في السودانية تُستخدم لوصف شخص يضيق عليك بالتحدث كثيرًا، على سبيل المثال.

هذا الاكتشاف جعلني أشعر بالفضول تجاه كيفية تأثير اللغة على العواطف. بالطبع هناك جانب أن قدرتك على وصف مشاعرك بشكل أفضل يساعدك في فهمها، ولكن هذا يعني أنك يجب أن تكون قادرًا على التعرف على مشاعرك في المقام الأول. يصف جوناثان ريي في كتابه I See A Voice: A Philosophical History  هذه العملية على أنها ذات اتجاهين، بمجرد حدوث شيء ما، تكون هناك تجربة داخلية "الإدراك" وتجربة خارجية "التعبير أو الفعل". ولكن نوع هذه التجارب يتأثر بأشياء مثل الخيال، التأمل، والوعي، بناءً على كيفية إدارتك لها كما يفعل قائد الأوركسترا. بالنسبة لي، هذا هو دور الثقافة؛ فالخيال حول شعور ما قد يتأثر بالثقافة المحيطة بك، وحقيقة أنك لا تملك كلمة لوصفه لا تعني أنك لا تشعر به. ربما يمكن فهم ذلك بشكل أفضل من خلال شيء نعتقد جميعًا أننا نفهمه بنفس الطريقة، مثل الألوان.

في الفيلم الوثائقي القصير من Vox  بعنوان The surprising pattern behind color names around the world، يوصف كيف أن العديد من اللغات حول العالم لديها فقط ثلاثة أو أربعة ألوان: داكن، فاتح، أحمر، أخضر أو أصفر. على الرغم من وجود عدد لا حصر له من الألوان في العالم، تختار الثقافات المختلفة الألوان التي ستسميها. قبل أن يتوصل العلماء إلى هذا الفهم، كانوا يعتقدون أن الأشخاص الذين لغاتهم لديها أسماء ألوان محدودة يعانون من عمى الألوان!


إذا كنت سودانيًا، فقد تكون الفقرة السابقة قد أثارت لديك فكرة معينة، وهي كلمتا "أزرق" و"أبيض" في اللغة العربية، حيث تم استخدامهما تاريخيًا في السودان لوصف الفاتح والداكن. على سبيل المثال، النيل الأبيض والنيل الأزرق يأتيان من هذا الفهم. يتدفق النيل الأزرق من بحيرة تانا في جبال إثيوبيا بسرعة، حاملاً الكثير من الطمي، بينما يأتي النيل الأبيض من بحيرة فيكتوريا في أوغندا، وقد قطع مسافة طويلة، مما يجعله هادئًا وعريضًا ولا يحمل الطمي.

التوب الأبيض وتوب الزراق (التوب الأزرق) يحملان تسميات مشابهة. المادة الأساسية لصنع الأقمشة في أجزاء كبيرة من السودان هي القطن، ويمكن تتبع النسيج الحديث إلى القرن التاسع عشر. ومع ذلك، تم العثور على منسوجات قطنية أيضًا في حفريات مروي والنوبة السفلى، مما يشير إلى تاريخ أقدم. الملابس البيضاء منطقية مع مناخنا الحار، واسم الأبيض موجود منذ زمن بعيد، مثل اسم الأُبيض، عاصمة شمال كردفان، التي حصلت على اسمها من حمار أبيض. الأزرق، من ناحية أخرى، قد يكون محيرًا، حيث يشير التوب الأزرق عادة إلى توب أبيض مصبوغ بالنيلة. نبتة النيلة معروفة في السودان ومصر، وتُستخدم لوصف الظلام أو السواد، على الرغم من أنها تنتج قماشًا أزرق اللون.

يتجاوز ارتباك الألوان في اللهجة السودانية الأقمشة ليشمل الكائنات التي ترتديها وكيف نصف ألوان بعضنا البعض. الألوان الأربعة المعروفة "لألوان الناس" هي الأخضر، الأصفر، الأزرق، والأحمر. هناك كلمات مثل "حلبي" لوصف ذوي البشرة الفاتحة، وهي تعود إلى أصول واضحة، والأحمر يُستخدم أيضًا لوصف الأشخاص ذوي البشرة الفاتحة لأن بشرتهم تتحول إلى الأحمر في الحرارة. لكن كيف توصلنا إلى وصف الناس بالأخضر؟
 من المثير للاهتمام أن هذا الوصف اللوني ليس ظاهرة سودانية فقط، بل معروف أيضًا في دول عربية أخرى مثل عمان والكويت. هناك تكهنات مختلفة حول كيفية حدوث ذلك، يفترض البعض أنه يأتي من حقيقة أن الأزرق يعني الداكن، والأصفر يعني الفاتح، وبالتالي الأخضر يعني بينهما. تفسير أحدث يرتبط بما يسمى undertones (درجات تحتية)، وهو مصطلح أصبح شائعًا مع ظهور ماركات المكياج للبشرة الداكنة في السنوات الأخيرة. يقول هذا التفسير إنه على الرغم من أن البشرة السوداء بنية اللون، لتفتيح أو تغميق المكياج، لا يتم خلطه مع الأبيض، بل مع ألوان تحتية. إذا كانت لديك تدرجات دافئة، يُخلط المكياج مع الأصفر، وإذا كانت لديك تدرجات باردة، يُخلط مع الأزرق.

بغض النظر عما إذا كان السودانيون في الماضي قد رأوا التدرجات اللونية أو ببساطة لم يكن لديهم الوقت لاختراع أسماء جديدة لألوان مختلفة، ما هو مؤكد هو أن اللغة والعواطف والإدراك مرتبطون بطرق عديدة تثير النقاش لعقود قادمة.

لوحة الغلاف من تصميم زينب جعفر

No items found.
نُشر بتاريخ
17/2/25
المؤلف:
زينب .ع .م جعفر
Editor
سارة النقر
مأمون التلب
المحرر:
سارة النقر
مأمون التلب
المترجم:
هند عبد الباقي عبد القادر الزبير
Translator

كسودانية أتحدث العربية، وكامرأة (أذكر هذه المقدمة فقط في حال وجدتها ذات صلة)، عشتُ دائماً في بلدان يغلب فيها التحدث بالعربية، سواء في السودان أو في الخليج العربي. كانت تصوري للغة قائمًا على مدى اختلاف اللهجات العربية، والاختلافات اللغوية بين العربية والإنجليزية، بما أني أعرف لغتين فقط.
 بالنسبة لي، جاءت هذه الاختلافات من الثقافة وتطور اللغة. على سبيل المثال، كلمتا landscape  وskyline  ليس لهما مكافئ دقيق في اللغة العربية، بل تُترجمان تقريبًا إلى "مشهد طبيعي" و"أفق"، والتي تعني أشياء متعددة مثل الأفق، الاحتمالات، والميل. وهناك أيضًا كلمات جديدة مثل "networking"، التي لها ترجمة حرفية (تشبيك) لكن لا أحد يستخدمها لأن الكلمة الإنجليزية أكثر شيوعًا. ما هو معقد وجميل في اللغة العربية هو أنه، مثل كلمة الأفق، قد تعني العديد من الأشياء الأخرى، ولكن يمكنك أيضًا أن تجد مليون كلمة لوصف الحب، على سبيل المثال.

اليوم، لم أعد أعيش في بلد يغلب فيه التحدث بالعربية، وأصبحت الإنجليزية هي اللغة التي أستخدمها يوميًا بشكل أساسي. ومع تعلمي المزيد عن ثقافات الآخرين واستخداماتهم للغة، اكتسبت منظورًا جديدًا لم أكن على دراية به من قبل.
 في أحد الأيام، عُرض عليّ قطعة من الكعك، أخذت قضمة واحدة، ولكن بسبب ثقلها لم أتمكن من تناول المزيد. في اللهجة السودانية لدينا كلمة لوصف هذا الإحساس، وهي "قَهَم" وعادة ما يُضاف لها بادئة أو لاحقة لتوضيح من مرّ بهذه التجربة.
 لا، الكلمة لا تعني الشبع أو الامتلاء، لأنك قد تكون قادرًا على تناول المزيد، لكن عدم القدرة يأتي من ثقل الطعام أو حلاوته الزائدة، أو حتى مجرد رؤيته.

عندما أعود إلى فهمي الجديد، ما وجدته مثيرًا للاهتمام ليس مجرد غياب كلمة إنجليزية مكافئة، بل أن أصدقائي لم يفهموا الشعور الذي كنت أصفه على الإطلاق. كان هذا منظورًا معاكسًا لمعرفتي السابقة. غياب الكلمات يزيل الإحساس المرتبط بها. معلومة ممتعة قبل أن أواصل: هذه الكلمة موجودة في الثقافة المكسيكية، ولكن عندما تُستخدم لوصف شخص ما، فإنها تعني أنه مليء بالمجاملات الزائفة أو غير المخلصة، بينما في السودانية تُستخدم لوصف شخص يضيق عليك بالتحدث كثيرًا، على سبيل المثال.

هذا الاكتشاف جعلني أشعر بالفضول تجاه كيفية تأثير اللغة على العواطف. بالطبع هناك جانب أن قدرتك على وصف مشاعرك بشكل أفضل يساعدك في فهمها، ولكن هذا يعني أنك يجب أن تكون قادرًا على التعرف على مشاعرك في المقام الأول. يصف جوناثان ريي في كتابه I See A Voice: A Philosophical History  هذه العملية على أنها ذات اتجاهين، بمجرد حدوث شيء ما، تكون هناك تجربة داخلية "الإدراك" وتجربة خارجية "التعبير أو الفعل". ولكن نوع هذه التجارب يتأثر بأشياء مثل الخيال، التأمل، والوعي، بناءً على كيفية إدارتك لها كما يفعل قائد الأوركسترا. بالنسبة لي، هذا هو دور الثقافة؛ فالخيال حول شعور ما قد يتأثر بالثقافة المحيطة بك، وحقيقة أنك لا تملك كلمة لوصفه لا تعني أنك لا تشعر به. ربما يمكن فهم ذلك بشكل أفضل من خلال شيء نعتقد جميعًا أننا نفهمه بنفس الطريقة، مثل الألوان.

في الفيلم الوثائقي القصير من Vox  بعنوان The surprising pattern behind color names around the world، يوصف كيف أن العديد من اللغات حول العالم لديها فقط ثلاثة أو أربعة ألوان: داكن، فاتح، أحمر، أخضر أو أصفر. على الرغم من وجود عدد لا حصر له من الألوان في العالم، تختار الثقافات المختلفة الألوان التي ستسميها. قبل أن يتوصل العلماء إلى هذا الفهم، كانوا يعتقدون أن الأشخاص الذين لغاتهم لديها أسماء ألوان محدودة يعانون من عمى الألوان!


إذا كنت سودانيًا، فقد تكون الفقرة السابقة قد أثارت لديك فكرة معينة، وهي كلمتا "أزرق" و"أبيض" في اللغة العربية، حيث تم استخدامهما تاريخيًا في السودان لوصف الفاتح والداكن. على سبيل المثال، النيل الأبيض والنيل الأزرق يأتيان من هذا الفهم. يتدفق النيل الأزرق من بحيرة تانا في جبال إثيوبيا بسرعة، حاملاً الكثير من الطمي، بينما يأتي النيل الأبيض من بحيرة فيكتوريا في أوغندا، وقد قطع مسافة طويلة، مما يجعله هادئًا وعريضًا ولا يحمل الطمي.

التوب الأبيض وتوب الزراق (التوب الأزرق) يحملان تسميات مشابهة. المادة الأساسية لصنع الأقمشة في أجزاء كبيرة من السودان هي القطن، ويمكن تتبع النسيج الحديث إلى القرن التاسع عشر. ومع ذلك، تم العثور على منسوجات قطنية أيضًا في حفريات مروي والنوبة السفلى، مما يشير إلى تاريخ أقدم. الملابس البيضاء منطقية مع مناخنا الحار، واسم الأبيض موجود منذ زمن بعيد، مثل اسم الأُبيض، عاصمة شمال كردفان، التي حصلت على اسمها من حمار أبيض. الأزرق، من ناحية أخرى، قد يكون محيرًا، حيث يشير التوب الأزرق عادة إلى توب أبيض مصبوغ بالنيلة. نبتة النيلة معروفة في السودان ومصر، وتُستخدم لوصف الظلام أو السواد، على الرغم من أنها تنتج قماشًا أزرق اللون.

يتجاوز ارتباك الألوان في اللهجة السودانية الأقمشة ليشمل الكائنات التي ترتديها وكيف نصف ألوان بعضنا البعض. الألوان الأربعة المعروفة "لألوان الناس" هي الأخضر، الأصفر، الأزرق، والأحمر. هناك كلمات مثل "حلبي" لوصف ذوي البشرة الفاتحة، وهي تعود إلى أصول واضحة، والأحمر يُستخدم أيضًا لوصف الأشخاص ذوي البشرة الفاتحة لأن بشرتهم تتحول إلى الأحمر في الحرارة. لكن كيف توصلنا إلى وصف الناس بالأخضر؟
 من المثير للاهتمام أن هذا الوصف اللوني ليس ظاهرة سودانية فقط، بل معروف أيضًا في دول عربية أخرى مثل عمان والكويت. هناك تكهنات مختلفة حول كيفية حدوث ذلك، يفترض البعض أنه يأتي من حقيقة أن الأزرق يعني الداكن، والأصفر يعني الفاتح، وبالتالي الأخضر يعني بينهما. تفسير أحدث يرتبط بما يسمى undertones (درجات تحتية)، وهو مصطلح أصبح شائعًا مع ظهور ماركات المكياج للبشرة الداكنة في السنوات الأخيرة. يقول هذا التفسير إنه على الرغم من أن البشرة السوداء بنية اللون، لتفتيح أو تغميق المكياج، لا يتم خلطه مع الأبيض، بل مع ألوان تحتية. إذا كانت لديك تدرجات دافئة، يُخلط المكياج مع الأصفر، وإذا كانت لديك تدرجات باردة، يُخلط مع الأزرق.

بغض النظر عما إذا كان السودانيون في الماضي قد رأوا التدرجات اللونية أو ببساطة لم يكن لديهم الوقت لاختراع أسماء جديدة لألوان مختلفة، ما هو مؤكد هو أن اللغة والعواطف والإدراك مرتبطون بطرق عديدة تثير النقاش لعقود قادمة.

لوحة الغلاف من تصميم زينب جعفر