مصارعة النوبة

للوهلة الأولى التي تسمع فيها هتافات وتشجيع الجمهور، قد تعتقد أنك في حدث يخص كرة القدم، ولكن ما إن تقترب للساحة التي يحفها المشجعون، حتى ينكشف الأمر

اقرأ المزيد
معرض الصور
No items found.
Pointing at Speaker
نُشر بتاريخ
21/1/25
المؤلف:
مجاهد الدومة
المحرر:
سارة النقر
المحرر:
سارة النقر
مأمون التلب
المترجم:
المترجم:
هند عبد الباقي عبد القادر الزبير
النتيجة

  /  

العب مرة أخرى

  /   الاجابات

كيف تحولت المصارعة السودانية من طقس ثقافي بجبال النوبة إلى رياضة شعبية واسعة الانتشار؟

بقلم: مجاهد الدومة

نُشرت لأول مرة بموقع (بيم ريبورتس) بتاريخ ١/١٢/٢٠٢٢

للوهلة الأولى التي تسمع فيها هتافات وتشجيع الجمهور، قد تعتقد أنك في حدث يخص كرة القدم، ولكن ما إن تقترب للساحة التي يحفها المشجعون، حتى ينكشف الأمر، فهناك مصارعان يتوسطان ساحة مفروشة بالرمل، ويتعاركان بالأيدي في سبيل إسقاط المنافس أرضاً والفوز بإحدى جولات المصارعة السودانية (الصُراع).

وللمصارعة (الصُّراع) تاريخ ضارب القدم في جنوب كردفان (إقليم جبال النوبة)، حيث بدأت من هناك كممارسة ثقافية وجزء من هوية المجموعات القبلية المختلفة وهي ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية كذلك.

ارتبط الصُراع في الأساس بالاحتفالات والمهرجانات المصاحبة لموسم الحصاد؛ ما بين أغسطس وديسمبر من كل عام. حيث تتضمن عرضاً فنياً يقدمه المتصارعون قبل المباراة. وجزء من هذه الثقافة، أن لكل مجموعة قبلية عدداً من المصارعين الشُبان التي تحرص على تدريبهم وخلق نظام غذائي متكامل (يتضمن اللبن الطازج واللحوم والعسل والسمسم) حتى يتمكنوا من منافسة المصارعين من المجموعات القبلية الأخرى.

فضاءات جديدة

مع الحروب الأهلية المتواترة التي شهدها السودان، والتي كان إقليم جنوب كردفان ضمن نطاقها، فإن الكثيرين بدأوا في النزوح منذ السبعينات، هرباً من ويلات الحروب، وبحثاً عن مساحات جديدة وآمنة. وحملت حركة النزوح، التي كانت إلى عدد من الولايات الأخرى، ولكنها تمركزت في العاصمة الخرطوم وأطرافها بصورة كبيرة، علاوة على تراث وثقافة وطقوس  المجموعات النازحة، مثل الرقصات ومنها (الكرنك، الكمبلا) وكذلك المصارعة. لتلقى الأخيرة إقبالاً واسعاً كرياضة، ولاحقاً انشأت العديد من حلبات المصارعة في منطقة الحاج يوسف (شرق النيل) ومنطقة أبو حمد (مدينة أمدرمان) حيث يتجمع فيها جمهورمتنوع من السودانيين والأجانب مرتين كل أسبوع من أجل الفرجة وتشجيع المصارعين.

صاحب تحول المصارعة من كونها ممارسة ثقافية إلى رياضة تغييراً في بعض قواعدها، وحتى الطريقة التي يتزين بها المصارعون (الفرسان كما يطلق عليهم في جبال النوبة) وأصبح لهذه الرياضة قوانين وقواعد تحكمها، كما وأنه تأسس اتحاد المصارعة السودانية الذي يشرف عليها. وصار انتماء اللاعبين إلى أندية وليس إلى مجموعاتهم القبيلة التي يتحدرون منها.

ونظراً للتشابه الكبير بين المصارعة السودانية ومصارعة السومو اليابانية، فقد شهدت ساحات المصارعة السودانية مشاركة بعض اليابانيين فيها، ومن ضمنهم الدبلوماسي الياباني ياسوهيرو موروتاتسو في عدة مناسبات.

في مارس 2022 اختتمت بمدينة خشم القربة (ولاية كسلا) الدورة الخامسة لبطولة الجمهورية للمصارعة. الفعالية التي بدأ الاتحاد الرياضي السوداني للمصارعة في تنظيمها لأول مرة في العام 2017م بمدينة الخرطوم، لتصبح بعدها محفلاً سنوياً شهدته كل من: ولايات القضارف، كسلا، النيل الأزرق ثم كسلا مرة أخرى في مارس 2022م. حيث جاءت البطولة تحت شعار “بالمصارعة نعزز السلام” وشاركت فيها ست ولايات؛ وهي: جنوب كردفان – النيل الأبيض – القضارف – الخرطوم – البحر الأحمر وكسلا) فيما اعتذرت ولايات غرب وشمال كردفان، وسنار والشمالية والنيل الأزرق.

مشاركات دولية

خلال الأعوام الماضية، شارك منتخب السودان للمصارعة في عدد من البطولات الأفريقية والعربية، واستطاع المنتخب، أن يظفر بعدد مقدر من التتويجات والميداليات؛ ميداليتين برونزيتين في البطولة الأفريقية في نيجيريا عام 2018م، وخمس ميداليات أخرى بالبطولة العربية في شرم الشيخ (جمهورية مصر العربية). وعزز المنتخب من خبرته ومشاركته العالمية ليتوج ذلك بحصد 12 ميدالية في البطولة العربية 2019م وبطولة إبراهيم مصطفى الدولية.

وشهد مايو الماضي اختراقاً جديداً للمصارعة السودانية في المحافل الدولية، حيث حققت لاعبة المصارعة السودانية، باتريسيا سيف الدين، وهي أول مصارعة تشارك في بطولة خارجية، المركز الثالث والميدالية البرونزية في وزن 68 كجم خلال البطولة الأفريقية التي استضافتها المغرب بمشاركة 34 دولة.

وتجدر الإشارة إلى أن باتريسيا هي واحدة ضمن فتيات كثر انخرطنْ في رياضة المصارعة، ضمن مشروع اكتشاف المواهب، البرنامج الذي ينظم بشراكة بين اللجنة الأولمبية الدولية والاتحادات الدولية، الأمر الذي استفاد منه اتحاد المصارعة في العام 2018م.  وحجزت باتريسيا أحد المراكز الأولى ضمن برنامج المواهب، وهي تخوض استعداداتٍ للمشاركة في أولمبياد باريس 2024م.

أجيال جديدة

عزز ازدهار المصارعة وقدرتها على خلق جمهور من كل الفئات العمرية من ضرورة وجود مؤسسات ترعى وتقدم التدريب للأجيال الشابة من الجنسين، وهو ما شرع فيه اتحاد المصارعة بتنظيمه دورة الفنون القتالية للبنين والبنات (ما بين 7 – 19 سنة) في سبيل تطوير رياضة المصارعة عبر توفير التدريب والمهارات اللازمة لها.

وشهد يوليو من العام الماضي، إقامة الدورة الخامسة من مشروع مدرسة الفنون القتالية، المشروع الذي يستهدف طلاب وطالبات المدارس، حيث شارك ١٥٠ طالباً وطالبة من مدرستي الوحدة الوطنية أساس بنين وبنات (شرق النيل). وينفذ المشروع بواسطة الاتحاد الرياضي السوداني للمصارعة عن طريقة شراكة مع المركز الدولي للفنون القتالية (دولة كوريا الجنوبية) تحت رعاية منظمة اليونسكو.

انتشار المصارعة وتحولها من نشاط اجتماعي وطقوسي ارتبط بمواسم الحصاد والاحتفالات في إقليم جبال النوبة، إلى رياضة تنتشر في أرجاء السودان المختلفة، ويتابعها جمهور متنوع، يُقدّم ملمحاً عن التداخل الثقافي بين كقيمة تعتمد على انفتاح هذه الثقافات على بعضها البعض.

يعرض الفيديو لقطات من مهرجان النوبة ٢٠٢٠ الذي أقيم في الخرطوم، وتضمن المهرجان الرقص التقليدي ومصارعة النوبة التقليدية، وهي رياضة شعبية تجذب مئات الأشخاص كل أسبوع لمشاهدتها. تم تصويره من قبل ابراهيم سنوب لمشروع المتاحف المجتمعية في غرب السودان

صورة الغلاف: كل يوم جمعة، تجري المصارعة السودانية بين قبائل النوبة وجنوب السودان في حاج يوسف © محمد عثمان، الخرطوم

No items found.
نُشر بتاريخ
21/1/25
المؤلف:
مجاهد الدومة
Editor
سارة النقر
مأمون التلب
المحرر:
سارة النقر
مأمون التلب
المترجم:
Translator
هند عبد الباقي عبد القادر الزبير
كيف تحولت المصارعة السودانية من طقس ثقافي بجبال النوبة إلى رياضة شعبية واسعة الانتشار؟

بقلم: مجاهد الدومة

نُشرت لأول مرة بموقع (بيم ريبورتس) بتاريخ ١/١٢/٢٠٢٢

للوهلة الأولى التي تسمع فيها هتافات وتشجيع الجمهور، قد تعتقد أنك في حدث يخص كرة القدم، ولكن ما إن تقترب للساحة التي يحفها المشجعون، حتى ينكشف الأمر، فهناك مصارعان يتوسطان ساحة مفروشة بالرمل، ويتعاركان بالأيدي في سبيل إسقاط المنافس أرضاً والفوز بإحدى جولات المصارعة السودانية (الصُراع).

وللمصارعة (الصُّراع) تاريخ ضارب القدم في جنوب كردفان (إقليم جبال النوبة)، حيث بدأت من هناك كممارسة ثقافية وجزء من هوية المجموعات القبلية المختلفة وهي ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية كذلك.

ارتبط الصُراع في الأساس بالاحتفالات والمهرجانات المصاحبة لموسم الحصاد؛ ما بين أغسطس وديسمبر من كل عام. حيث تتضمن عرضاً فنياً يقدمه المتصارعون قبل المباراة. وجزء من هذه الثقافة، أن لكل مجموعة قبلية عدداً من المصارعين الشُبان التي تحرص على تدريبهم وخلق نظام غذائي متكامل (يتضمن اللبن الطازج واللحوم والعسل والسمسم) حتى يتمكنوا من منافسة المصارعين من المجموعات القبلية الأخرى.

فضاءات جديدة

مع الحروب الأهلية المتواترة التي شهدها السودان، والتي كان إقليم جنوب كردفان ضمن نطاقها، فإن الكثيرين بدأوا في النزوح منذ السبعينات، هرباً من ويلات الحروب، وبحثاً عن مساحات جديدة وآمنة. وحملت حركة النزوح، التي كانت إلى عدد من الولايات الأخرى، ولكنها تمركزت في العاصمة الخرطوم وأطرافها بصورة كبيرة، علاوة على تراث وثقافة وطقوس  المجموعات النازحة، مثل الرقصات ومنها (الكرنك، الكمبلا) وكذلك المصارعة. لتلقى الأخيرة إقبالاً واسعاً كرياضة، ولاحقاً انشأت العديد من حلبات المصارعة في منطقة الحاج يوسف (شرق النيل) ومنطقة أبو حمد (مدينة أمدرمان) حيث يتجمع فيها جمهورمتنوع من السودانيين والأجانب مرتين كل أسبوع من أجل الفرجة وتشجيع المصارعين.

صاحب تحول المصارعة من كونها ممارسة ثقافية إلى رياضة تغييراً في بعض قواعدها، وحتى الطريقة التي يتزين بها المصارعون (الفرسان كما يطلق عليهم في جبال النوبة) وأصبح لهذه الرياضة قوانين وقواعد تحكمها، كما وأنه تأسس اتحاد المصارعة السودانية الذي يشرف عليها. وصار انتماء اللاعبين إلى أندية وليس إلى مجموعاتهم القبيلة التي يتحدرون منها.

ونظراً للتشابه الكبير بين المصارعة السودانية ومصارعة السومو اليابانية، فقد شهدت ساحات المصارعة السودانية مشاركة بعض اليابانيين فيها، ومن ضمنهم الدبلوماسي الياباني ياسوهيرو موروتاتسو في عدة مناسبات.

في مارس 2022 اختتمت بمدينة خشم القربة (ولاية كسلا) الدورة الخامسة لبطولة الجمهورية للمصارعة. الفعالية التي بدأ الاتحاد الرياضي السوداني للمصارعة في تنظيمها لأول مرة في العام 2017م بمدينة الخرطوم، لتصبح بعدها محفلاً سنوياً شهدته كل من: ولايات القضارف، كسلا، النيل الأزرق ثم كسلا مرة أخرى في مارس 2022م. حيث جاءت البطولة تحت شعار “بالمصارعة نعزز السلام” وشاركت فيها ست ولايات؛ وهي: جنوب كردفان – النيل الأبيض – القضارف – الخرطوم – البحر الأحمر وكسلا) فيما اعتذرت ولايات غرب وشمال كردفان، وسنار والشمالية والنيل الأزرق.

مشاركات دولية

خلال الأعوام الماضية، شارك منتخب السودان للمصارعة في عدد من البطولات الأفريقية والعربية، واستطاع المنتخب، أن يظفر بعدد مقدر من التتويجات والميداليات؛ ميداليتين برونزيتين في البطولة الأفريقية في نيجيريا عام 2018م، وخمس ميداليات أخرى بالبطولة العربية في شرم الشيخ (جمهورية مصر العربية). وعزز المنتخب من خبرته ومشاركته العالمية ليتوج ذلك بحصد 12 ميدالية في البطولة العربية 2019م وبطولة إبراهيم مصطفى الدولية.

وشهد مايو الماضي اختراقاً جديداً للمصارعة السودانية في المحافل الدولية، حيث حققت لاعبة المصارعة السودانية، باتريسيا سيف الدين، وهي أول مصارعة تشارك في بطولة خارجية، المركز الثالث والميدالية البرونزية في وزن 68 كجم خلال البطولة الأفريقية التي استضافتها المغرب بمشاركة 34 دولة.

وتجدر الإشارة إلى أن باتريسيا هي واحدة ضمن فتيات كثر انخرطنْ في رياضة المصارعة، ضمن مشروع اكتشاف المواهب، البرنامج الذي ينظم بشراكة بين اللجنة الأولمبية الدولية والاتحادات الدولية، الأمر الذي استفاد منه اتحاد المصارعة في العام 2018م.  وحجزت باتريسيا أحد المراكز الأولى ضمن برنامج المواهب، وهي تخوض استعداداتٍ للمشاركة في أولمبياد باريس 2024م.

أجيال جديدة

عزز ازدهار المصارعة وقدرتها على خلق جمهور من كل الفئات العمرية من ضرورة وجود مؤسسات ترعى وتقدم التدريب للأجيال الشابة من الجنسين، وهو ما شرع فيه اتحاد المصارعة بتنظيمه دورة الفنون القتالية للبنين والبنات (ما بين 7 – 19 سنة) في سبيل تطوير رياضة المصارعة عبر توفير التدريب والمهارات اللازمة لها.

وشهد يوليو من العام الماضي، إقامة الدورة الخامسة من مشروع مدرسة الفنون القتالية، المشروع الذي يستهدف طلاب وطالبات المدارس، حيث شارك ١٥٠ طالباً وطالبة من مدرستي الوحدة الوطنية أساس بنين وبنات (شرق النيل). وينفذ المشروع بواسطة الاتحاد الرياضي السوداني للمصارعة عن طريقة شراكة مع المركز الدولي للفنون القتالية (دولة كوريا الجنوبية) تحت رعاية منظمة اليونسكو.

انتشار المصارعة وتحولها من نشاط اجتماعي وطقوسي ارتبط بمواسم الحصاد والاحتفالات في إقليم جبال النوبة، إلى رياضة تنتشر في أرجاء السودان المختلفة، ويتابعها جمهور متنوع، يُقدّم ملمحاً عن التداخل الثقافي بين كقيمة تعتمد على انفتاح هذه الثقافات على بعضها البعض.

يعرض الفيديو لقطات من مهرجان النوبة ٢٠٢٠ الذي أقيم في الخرطوم، وتضمن المهرجان الرقص التقليدي ومصارعة النوبة التقليدية، وهي رياضة شعبية تجذب مئات الأشخاص كل أسبوع لمشاهدتها. تم تصويره من قبل ابراهيم سنوب لمشروع المتاحف المجتمعية في غرب السودان

صورة الغلاف: كل يوم جمعة، تجري المصارعة السودانية بين قبائل النوبة وجنوب السودان في حاج يوسف © محمد عثمان، الخرطوم