وقت اللعب في السروراب
لا نحتاج إلى الكثير عند اللعب، فبعض الجوارب تكفي لصُنع كرة، وخرطوم المياه ممتاز للقفز، وطوبتين أو حذاء يكفي لتحديد المرمى، وبقايا الأقمشة التي نجدها في منازلنا تكفي لصنع دمى "بنات أم لعاب". ولا يقتصر اللعب على الصغار، فـ"الدافوري"، وهي لعبة كرة القدم الشارع، يلعبها الجميع ويقام لها دوري في الأحياء.
/ الاجابات
في الحيشان وفي زقاقات الحِلَّة وفوق المصاطب وتحت النيم: "شِليل وينو؟.. أكلو الدودو.. شِليل وين راح؟ .. أَكَلو التمساح".
عبارات أنشدناها أطفالًا أثناء البحث عن شِليل، وانتهى البحث بعثورنا على قطعة العظم أو الحجر "شِليل" الذي تمّ رميه. لعبة شِليل وغيرها من الألعاب ملأت أيامنا صغارًا، وتمثل جزءًا كبيرًا من نسيج ذكرياتنا كبارًا. تختلف الألعاب في السودان باختلاف المناطق واختلاف الموروث الثقافي الخاص بكل منطقة، وتتشابه في إسهامها في تعزيز الروابط الاجتماعية وتنمية المهارات البدنية والذهنية لدى الأطفال.
لا نحتاج إلى الكثير عند اللعب، فبعض الجوارب تكفي لصُنع كرة، وخرطوم المياه ممتاز للقفز، وطوبتين أو حذاء يكفي لتحديد المرمى، وبقايا الأقمشة التي نجدها في منازلنا تكفي لصنع دمى "بنات أم لعاب". ولا يقتصر اللعب على الصغار، فـ"الدافوري"، وهي لعبة كرة القدم الشارع، يلعبها الجميع ويقام لها دوري في الأحياء.
الجدير بالذكر أن هذه الألعاب المختلفة كانت أُنساً لنا في طفولتنا قبل ظهور ألعاب الفيديو والقنوات المخصصة للأطفال، ولم تَخْلُ الشوارع والميادين من لعب الأطفال وأصوات صراخهم تشجيعًا لأحدهم أو شجارًا على اشتباه "خرخرة".
وربما ما أعاد شعبيتها لبيوت الخرطوم والمدن المختلفة التي هجر الأطفال "حيشانها" منذ زمن واُستبدلت بالألعاب الإلكترونية، هو انقطاع الإنترنت المتكرر في السنوات الأخيرة، وأزمة الكهرباء التي امتدت قطوعاتها لساعات طويلة، وأخيرًا الحرب التي هجّرتهم من منازلهم وانتهى بهم المطاف، إما في منازل أجدادهم وأقربائهم في الأقاليم أو في دور الإيواء والمدارس أو في معسكرات النازحين في ربوع السودان وخارجه. فها نحن الآن نرى الأطفال يلعبون ألعابًا لعبناها صغارًا ولعبها آباؤنا وأجدادنا من قبلنا، وبذلك تكون الألعاب منفذًا للأطفال يروحون بها عن أنفسهم وفرصة لبناء علاقات وتكوين صداقات وإثراء قدرتهم على الصمود في وجه الحرب.
تجربة مازن الرشيد في السروراب
تقع السروراب في الريف الشمالي لمدينة أمدرمان والتي تأوي مئات الأسر النازحة والمتضررة منذ بداية الحرب في تكيّة السروراب، من خلال مطبخ مجتمعي ومركز رعاية صحية يخدم النازحين وأهالي السروراب. يحكي لنا مازن الرشيد الزين، مصور سوداني من السروراب، وهو أحد القائمين على التكيّة تجربته مع الأطفال والألعاب.
أشار مازن أن أولاد الحِلّة -وهم أطفال السكان المحليين في السروراب- كانوا يفضلون لعب الـ"دافوري" فيخرجون صباحًا إلى اللعب ويستمرون في لعبهم طوال اليوم حتى المغيب، وفي الجهة الأخرى يفضل الأطفال النازحون إلى السروراب لعب الطين وبناء البيوت من الكرتون والرسم ولعب البِلِّي وغيرها من الألعاب المختلفة. وهي نفس الألعاب التي لعبناها نحن ولعبها كبارنا منذ الأزل وما زال الأطفال يلعبونها الآن مع بعض التغييرات البسيطة، ولكن يظل أساس اللعبة كما هو. على سبيل المثال، في لعبة كَمْبَلَتْ، قام الأطفال بتبديل علب الصلصة بعبوات المياه المتوفرة لديهم.
قرر مازن تسليط الضوء على هذه الألعاب وجمع أولاد الحلة والنازحين سويًا في ألعاب تُنمِّي مواهبهم ومهاراتهم الإبداعية. بدأ ذلك بتنظيم مسابقة عربات البلاستيك لثمانية عشر طفلاً، ثم مسابقة بيوت الكرتون وبعدها أشكال طينية وكانت هذه فرصة لتعارف وتكوين صداقات بين أولاد الحلّة والنازحين. أُعجبت الأمهات تحديدًا بهذه النشاطات كونها ألعاب مفيدة يشغلون بها أوقات فراغهم، وتشارك الأمهات أحيانًا في المسابقات والألعاب مع أبنائهن.
وبعد التجاوب من الأطفال والأهالي، فكر في إعادة إحياء تقليد كان يقام سنويًا في السروراب وهي مسابقة القرية. وهي مسابقة يشارك فيها الكبار يترأسهم الجد وأبنائهم، يُكوّن فيها الآباء والأبناء فرقًا ليلعبوا ألعاب متنوعة ومتعددة ولكنها توقفت منذ زمن طويل. فأتت الفكرة أن يقام دوري للكرة وإقامة مسابقة القرية ما بين الشوطين. وتطويرها عن هيئتها الأصلية بإشراك الأمهات أيضًا، حيث كانت تقتصر مسابقة القرية وجمعات الشاي في المنطقة على الرجال فقط.
في جهة أخرى، تقوم الخالة سلوى، ذات السبعين عام، بصنع دمى "بنات أم لعاب" ببقايا الأقمشة والتياب القديمة، تبدأ بعملية "برم" القماش لعمل الجسم والرأس واليدين والرجلين ثم تختار القماش للفستان والتوب، ثم تقوم بوضع الخرز لتكون عينان للدمية أو رسمها بالقلم وتنتهي بصنع الشعر من القماش الأسود. بدأت الخالة سلوى بعمل هذه الدمى للفتيات الصغيرات في البيوت المجاورة لها، ثم أصبحت الفتيات الأخريات من النازحين وأهالي المنطقة يأتينها طلبًا لدمىً يلعبن بها.
تجربة السروراب هي مثال جيد لعرض طرق مختلفة لدعم الأطفال خلال الحرب والفترات العصيبة، فتقديم سبل لللعب والاستمتاع وممارسة طفولتهم هو مهم بأهمية تقديم أنواع الدعم الأخرى.
في الحيشان وفي زقاقات الحِلَّة وفوق المصاطب وتحت النيم: "شِليل وينو؟.. أكلو الدودو.. شِليل وين راح؟ .. أَكَلو التمساح".
عبارات أنشدناها أطفالًا أثناء البحث عن شِليل، وانتهى البحث بعثورنا على قطعة العظم أو الحجر "شِليل" الذي تمّ رميه. لعبة شِليل وغيرها من الألعاب ملأت أيامنا صغارًا، وتمثل جزءًا كبيرًا من نسيج ذكرياتنا كبارًا. تختلف الألعاب في السودان باختلاف المناطق واختلاف الموروث الثقافي الخاص بكل منطقة، وتتشابه في إسهامها في تعزيز الروابط الاجتماعية وتنمية المهارات البدنية والذهنية لدى الأطفال.
لا نحتاج إلى الكثير عند اللعب، فبعض الجوارب تكفي لصُنع كرة، وخرطوم المياه ممتاز للقفز، وطوبتين أو حذاء يكفي لتحديد المرمى، وبقايا الأقمشة التي نجدها في منازلنا تكفي لصنع دمى "بنات أم لعاب". ولا يقتصر اللعب على الصغار، فـ"الدافوري"، وهي لعبة كرة القدم الشارع، يلعبها الجميع ويقام لها دوري في الأحياء.
الجدير بالذكر أن هذه الألعاب المختلفة كانت أُنساً لنا في طفولتنا قبل ظهور ألعاب الفيديو والقنوات المخصصة للأطفال، ولم تَخْلُ الشوارع والميادين من لعب الأطفال وأصوات صراخهم تشجيعًا لأحدهم أو شجارًا على اشتباه "خرخرة".
وربما ما أعاد شعبيتها لبيوت الخرطوم والمدن المختلفة التي هجر الأطفال "حيشانها" منذ زمن واُستبدلت بالألعاب الإلكترونية، هو انقطاع الإنترنت المتكرر في السنوات الأخيرة، وأزمة الكهرباء التي امتدت قطوعاتها لساعات طويلة، وأخيرًا الحرب التي هجّرتهم من منازلهم وانتهى بهم المطاف، إما في منازل أجدادهم وأقربائهم في الأقاليم أو في دور الإيواء والمدارس أو في معسكرات النازحين في ربوع السودان وخارجه. فها نحن الآن نرى الأطفال يلعبون ألعابًا لعبناها صغارًا ولعبها آباؤنا وأجدادنا من قبلنا، وبذلك تكون الألعاب منفذًا للأطفال يروحون بها عن أنفسهم وفرصة لبناء علاقات وتكوين صداقات وإثراء قدرتهم على الصمود في وجه الحرب.
تجربة مازن الرشيد في السروراب
تقع السروراب في الريف الشمالي لمدينة أمدرمان والتي تأوي مئات الأسر النازحة والمتضررة منذ بداية الحرب في تكيّة السروراب، من خلال مطبخ مجتمعي ومركز رعاية صحية يخدم النازحين وأهالي السروراب. يحكي لنا مازن الرشيد الزين، مصور سوداني من السروراب، وهو أحد القائمين على التكيّة تجربته مع الأطفال والألعاب.
أشار مازن أن أولاد الحِلّة -وهم أطفال السكان المحليين في السروراب- كانوا يفضلون لعب الـ"دافوري" فيخرجون صباحًا إلى اللعب ويستمرون في لعبهم طوال اليوم حتى المغيب، وفي الجهة الأخرى يفضل الأطفال النازحون إلى السروراب لعب الطين وبناء البيوت من الكرتون والرسم ولعب البِلِّي وغيرها من الألعاب المختلفة. وهي نفس الألعاب التي لعبناها نحن ولعبها كبارنا منذ الأزل وما زال الأطفال يلعبونها الآن مع بعض التغييرات البسيطة، ولكن يظل أساس اللعبة كما هو. على سبيل المثال، في لعبة كَمْبَلَتْ، قام الأطفال بتبديل علب الصلصة بعبوات المياه المتوفرة لديهم.
قرر مازن تسليط الضوء على هذه الألعاب وجمع أولاد الحلة والنازحين سويًا في ألعاب تُنمِّي مواهبهم ومهاراتهم الإبداعية. بدأ ذلك بتنظيم مسابقة عربات البلاستيك لثمانية عشر طفلاً، ثم مسابقة بيوت الكرتون وبعدها أشكال طينية وكانت هذه فرصة لتعارف وتكوين صداقات بين أولاد الحلّة والنازحين. أُعجبت الأمهات تحديدًا بهذه النشاطات كونها ألعاب مفيدة يشغلون بها أوقات فراغهم، وتشارك الأمهات أحيانًا في المسابقات والألعاب مع أبنائهن.
وبعد التجاوب من الأطفال والأهالي، فكر في إعادة إحياء تقليد كان يقام سنويًا في السروراب وهي مسابقة القرية. وهي مسابقة يشارك فيها الكبار يترأسهم الجد وأبنائهم، يُكوّن فيها الآباء والأبناء فرقًا ليلعبوا ألعاب متنوعة ومتعددة ولكنها توقفت منذ زمن طويل. فأتت الفكرة أن يقام دوري للكرة وإقامة مسابقة القرية ما بين الشوطين. وتطويرها عن هيئتها الأصلية بإشراك الأمهات أيضًا، حيث كانت تقتصر مسابقة القرية وجمعات الشاي في المنطقة على الرجال فقط.
في جهة أخرى، تقوم الخالة سلوى، ذات السبعين عام، بصنع دمى "بنات أم لعاب" ببقايا الأقمشة والتياب القديمة، تبدأ بعملية "برم" القماش لعمل الجسم والرأس واليدين والرجلين ثم تختار القماش للفستان والتوب، ثم تقوم بوضع الخرز لتكون عينان للدمية أو رسمها بالقلم وتنتهي بصنع الشعر من القماش الأسود. بدأت الخالة سلوى بعمل هذه الدمى للفتيات الصغيرات في البيوت المجاورة لها، ثم أصبحت الفتيات الأخريات من النازحين وأهالي المنطقة يأتينها طلبًا لدمىً يلعبن بها.
تجربة السروراب هي مثال جيد لعرض طرق مختلفة لدعم الأطفال خلال الحرب والفترات العصيبة، فتقديم سبل لللعب والاستمتاع وممارسة طفولتهم هو مهم بأهمية تقديم أنواع الدعم الأخرى.