الإحتفال
هل تعلم أنه يمكنك محاربة الشدائد بالسعادة؟ الاحتفال بالحياة ووجودنا هو وسيلة للاحتفال ببقائنا كل يوم.
البيت السوداني الذي شيدته الصوفية
البيت السوداني الذي شيدته الصوفية
لقرون مضت عاش هذا البلد بوصفه خليطا من الأجناس، تشغله روح البداوة بكل ما تقتضيه البداوة من عصبية والتحام. كان ذلك حتى قبل أن يأخذ اسمه الخلدوني: السودان في مقابل البيضان.
تخللت ملامحه العامة روح التدين المسيحي، لكن هذا الأمر تغير تدريجيا لصالح ديانة أخرى، هي الإسلام الذي غزا أرواح الناس وفاض إلى مجالهم العمومي الكبير.
في المجال العمومي البصري، على سبيل المثال، تشكل ساحة المولد (ميدان المولد) ملمحا من ملامح المدن السودانية الحديثة، خاصة الكبرى منها، وهو مكان مقترح بواسطة الصوفية. وعلى سبيل المثال، لا تكتمل قراءة ديوان الأدب العربي في السودان دون المرور بهذا المكان الاحتفالي المتسامح المقدس:
"فهذا اليوم ميدان التصابي
به تحلو الصبابة للشجي
كأن به وجوه الناس بشرا رياض جادها صوب الولي."
(عبدالله عبد الرحمن الضرير)
إلى الوقت الراهن يؤكد ميدان المولد المشيد برؤية الصوفية على أنه من أكثر الأماكن تحررا وسماحة في الثقافة السودانية. وهو على المستوى المعماري يعد مكانا مفتوحا يشيد كيفما اتفق بخيام القماش المتنوعة.
بنهايات القرن الثالث عشر الميلادي وبداية القرن الرابع عشر دخل الدين الإسلامي إلى هذا البلد وكفت ممكلة المقرة عن اعتناق الديانة المسيحية، وتحولت، بالمقابل، إلى إمارات صغيرة ذات سمات عربية. وبحدود بدايات القرن السادس عشر تخلفت مملكة علوة المسيحية أيضا عن كونها مسيحية؛ وبذا استقرت الحدود الجنوبية للإسلام على طول الخط ١٣ درجة شمالا.
خلال ثلاثة قرون لاحقة، تمت السيطرة للإسلام، وكان هذا هو الوقت الذي أسست فيه العائلات الدينية الكبيرة نفسها، وانتشرت سمات هذا الدين الجديد في المجال العمومي للبلاد، وأصبحت زوايا الطرق الصوفية نواة لحضارة إسلامية بطريقة ما، كما ذكر المبشِّر الإنجليزي سبنسر تريمنغهام في كتاب مهم عن (تاريخ الإسلام في السودان). وفي الواقع، ما ميز تديُّن السودانيين على الدوام هو طابعه التصوفي، ويغلب عليه، بشكل أكثر دقة، مزاجه الحجازي والمغاربي.
بمرور الوقت، ترسخت في الوجدان مبادئ (أممية صوفية) جعلت من بغداد العراق مركزا لـ (القوم)، ومن الحجاز مركزاً لـ (الكون). وعلى هذا الأساس الجديد تشذبت القبلية الأولى، وأضحت الطريقة الصوفية قاسما مشتركا وعقدا اجتماعيا متينا.
المتتبع لخريطة التصوف في السودان يجد أن الطريقة القادرية دخلت إلى السودان عن طريق الشيخ، تاج الدين البهاري، الذي زار سلطنة سنار في عام ١٥٧٧م. أما الشيخ أحمد البشير الطيب (متوفي ١٨٢٣م) فقد أدخل الطريقة السمانية لتكون إلى جانب الطريقة القادرية والشاذلية.
انتشرت الطريقة السمانية في أواخر العهد التركي، وغدت طريقة جماهيرية واسعة الانتشار، ومن رحمها خرجت الثورة المهدية. في السياق نفسه وفد إلى السودان السيد محمد عثمان الميرغني الكبير، إذ أرسله أستاذه، أحمد بن إدريس في العام ١٨١٨ إلى السودان، فأسس الطريقة الختمية، وصارت طريقة كبيرة ذات تنظيم مركزي.
استقطبت الطريقة الميرغنية غالبية عظمى من أهل الشمال والشرق وكردفان، ولها امتدادات أخرى عميقة في دولة إرتريا الحالية ومصر وشبه الجزيرة العربية.
لم تحظ الطريقة القادرية بمركز واحد، وأنشأت أفرعا عديدة في أنحاء القطر، كان لها، بالمقابل، تأثيرها الواضح في الحياة الاجتماعية. أشهر فروعها (فرع العركيين) بحواضرهم العديدة في الجزيرة، و(فرع الكباشي) بشمال الخرطوم، لمؤسسه الشيخ إبراهيم الكباشي (متوفي ١٨٧٠)، وهو عركي النسب، عاصرَ الشيخ أحمد الجعلي مؤسس (فرع كدباس)، والشيخ العبيد ود بدر (متوفي ١٨٨٤) مؤسس (فرع البادراب) الذي تمدد في منطقة البطانة وأواسط السودان.
الطريقة التجانية، وهي منبثقة عن الطريقة الشاذلية والخلوتية، أدخلها إلى السودان الشيخ محمد الشنقيطي في العام ١٨٤٧م. اشتهر مركزها الأول في خلاوي (الغُبُش) إلى الغرب من مدينة بربر بولاية نهر النيل. وكانت هي الطريقة الرئيسة في سلطنة الفور. وانبثقت عن الطريقة الختمية الطريقة الإسماعيلية التي أسسها الشيخ إسماعل الولي (متوفي ١٨٦٣)، وكذلك أنتجت الطريقة الشاذلية الطريقة المجذوبية. وكذلك ذاع صيت الطريقة البرهانية في الخرطوم ومصر وألمانيا وبين مسلمي أوروبا.
هذه الطرق، التي تكاد تغطي كافة أنحاء السودان، تهيأت تاريخياً للاندغام فى القبائل من خلال اعتداد مريديها بولائهم الروحي لآل البيت.. ورويداً رويداً تلاشت الفوارق، فلا تكاد تميِّز بين ما هو قبلي وما هو طرقي روحي.
كان التصوف في البدء تصوفا عفويا، وكان بمثابة عقد اجتماعي مشترك بين الدولة والمجتمع. على سبيل المثال، كانت سلطنة سنار (١٥٠٤- ١٩٢١)، حقبة طويلة من التصوف العفوي واسع الانتشار، وقد أرخ له الشيخ محمد ود ضيف الله في كتاب مشهور هو (طبقات ود ضيف الله). لكن مع هذا السكون البادئ في مزاج المتصوفة السودانيين إلا أن الإمام محمد أحمد المهدي، على سبيل المثال، تمكن من تثوير الصوفية وأنتج منها دولة استمرت لمدة 13 سنة (١٨٨٥- ١٨٩٨).
بالعودة إلى الفضاء العمومي فوق خط ١٣ درجة شمالا. يرتاد الناس ساحة المولد لمدة ١٢ يوما في كل عام هجري، ضاجين بالطبول والتهاليل والأزياء ذات الألوان. وبذا، تعد ساحة المولد ساحة لاختبار التنوع في كل شيء: الناس وأنواعهم، والألوان والأصوات والأضواء والآراء والأفكار. إنها ساحة لشرعنة وجود الجميع في الفضاءات العامة والكل مشارك في صناعة هذا الفضاء، لأنه يصنع معنى حياتهم في اللحظة التي هم فيها. والقارئ لكتاب (المسيد) للطيب محمد الطيب يلاحظ فضاء عموميا آخر إلى جانب ميدان المولد، هو (المسيد)، ويقف أيضا على تأثير هذا المكان بوصفه مؤسسة "ذات قدرة باهرة على إزالة الحواجز العرقية والقبلية والجهوية".
صورة الغلاف © ساري عمر، احتفالات الصوفية بالمولد النبوي في مسجد «ميدان»الخليفة. أم درمان.
لقرون مضت عاش هذا البلد بوصفه خليطا من الأجناس، تشغله روح البداوة بكل ما تقتضيه البداوة من عصبية والتحام. كان ذلك حتى قبل أن يأخذ اسمه الخلدوني: السودان في مقابل البيضان.
تخللت ملامحه العامة روح التدين المسيحي، لكن هذا الأمر تغير تدريجيا لصالح ديانة أخرى، هي الإسلام الذي غزا أرواح الناس وفاض إلى مجالهم العمومي الكبير.
في المجال العمومي البصري، على سبيل المثال، تشكل ساحة المولد (ميدان المولد) ملمحا من ملامح المدن السودانية الحديثة، خاصة الكبرى منها، وهو مكان مقترح بواسطة الصوفية. وعلى سبيل المثال، لا تكتمل قراءة ديوان الأدب العربي في السودان دون المرور بهذا المكان الاحتفالي المتسامح المقدس:
"فهذا اليوم ميدان التصابي
به تحلو الصبابة للشجي
كأن به وجوه الناس بشرا رياض جادها صوب الولي."
(عبدالله عبد الرحمن الضرير)
إلى الوقت الراهن يؤكد ميدان المولد المشيد برؤية الصوفية على أنه من أكثر الأماكن تحررا وسماحة في الثقافة السودانية. وهو على المستوى المعماري يعد مكانا مفتوحا يشيد كيفما اتفق بخيام القماش المتنوعة.
بنهايات القرن الثالث عشر الميلادي وبداية القرن الرابع عشر دخل الدين الإسلامي إلى هذا البلد وكفت ممكلة المقرة عن اعتناق الديانة المسيحية، وتحولت، بالمقابل، إلى إمارات صغيرة ذات سمات عربية. وبحدود بدايات القرن السادس عشر تخلفت مملكة علوة المسيحية أيضا عن كونها مسيحية؛ وبذا استقرت الحدود الجنوبية للإسلام على طول الخط ١٣ درجة شمالا.
خلال ثلاثة قرون لاحقة، تمت السيطرة للإسلام، وكان هذا هو الوقت الذي أسست فيه العائلات الدينية الكبيرة نفسها، وانتشرت سمات هذا الدين الجديد في المجال العمومي للبلاد، وأصبحت زوايا الطرق الصوفية نواة لحضارة إسلامية بطريقة ما، كما ذكر المبشِّر الإنجليزي سبنسر تريمنغهام في كتاب مهم عن (تاريخ الإسلام في السودان). وفي الواقع، ما ميز تديُّن السودانيين على الدوام هو طابعه التصوفي، ويغلب عليه، بشكل أكثر دقة، مزاجه الحجازي والمغاربي.
بمرور الوقت، ترسخت في الوجدان مبادئ (أممية صوفية) جعلت من بغداد العراق مركزا لـ (القوم)، ومن الحجاز مركزاً لـ (الكون). وعلى هذا الأساس الجديد تشذبت القبلية الأولى، وأضحت الطريقة الصوفية قاسما مشتركا وعقدا اجتماعيا متينا.
المتتبع لخريطة التصوف في السودان يجد أن الطريقة القادرية دخلت إلى السودان عن طريق الشيخ، تاج الدين البهاري، الذي زار سلطنة سنار في عام ١٥٧٧م. أما الشيخ أحمد البشير الطيب (متوفي ١٨٢٣م) فقد أدخل الطريقة السمانية لتكون إلى جانب الطريقة القادرية والشاذلية.
انتشرت الطريقة السمانية في أواخر العهد التركي، وغدت طريقة جماهيرية واسعة الانتشار، ومن رحمها خرجت الثورة المهدية. في السياق نفسه وفد إلى السودان السيد محمد عثمان الميرغني الكبير، إذ أرسله أستاذه، أحمد بن إدريس في العام ١٨١٨ إلى السودان، فأسس الطريقة الختمية، وصارت طريقة كبيرة ذات تنظيم مركزي.
استقطبت الطريقة الميرغنية غالبية عظمى من أهل الشمال والشرق وكردفان، ولها امتدادات أخرى عميقة في دولة إرتريا الحالية ومصر وشبه الجزيرة العربية.
لم تحظ الطريقة القادرية بمركز واحد، وأنشأت أفرعا عديدة في أنحاء القطر، كان لها، بالمقابل، تأثيرها الواضح في الحياة الاجتماعية. أشهر فروعها (فرع العركيين) بحواضرهم العديدة في الجزيرة، و(فرع الكباشي) بشمال الخرطوم، لمؤسسه الشيخ إبراهيم الكباشي (متوفي ١٨٧٠)، وهو عركي النسب، عاصرَ الشيخ أحمد الجعلي مؤسس (فرع كدباس)، والشيخ العبيد ود بدر (متوفي ١٨٨٤) مؤسس (فرع البادراب) الذي تمدد في منطقة البطانة وأواسط السودان.
الطريقة التجانية، وهي منبثقة عن الطريقة الشاذلية والخلوتية، أدخلها إلى السودان الشيخ محمد الشنقيطي في العام ١٨٤٧م. اشتهر مركزها الأول في خلاوي (الغُبُش) إلى الغرب من مدينة بربر بولاية نهر النيل. وكانت هي الطريقة الرئيسة في سلطنة الفور. وانبثقت عن الطريقة الختمية الطريقة الإسماعيلية التي أسسها الشيخ إسماعل الولي (متوفي ١٨٦٣)، وكذلك أنتجت الطريقة الشاذلية الطريقة المجذوبية. وكذلك ذاع صيت الطريقة البرهانية في الخرطوم ومصر وألمانيا وبين مسلمي أوروبا.
هذه الطرق، التي تكاد تغطي كافة أنحاء السودان، تهيأت تاريخياً للاندغام فى القبائل من خلال اعتداد مريديها بولائهم الروحي لآل البيت.. ورويداً رويداً تلاشت الفوارق، فلا تكاد تميِّز بين ما هو قبلي وما هو طرقي روحي.
كان التصوف في البدء تصوفا عفويا، وكان بمثابة عقد اجتماعي مشترك بين الدولة والمجتمع. على سبيل المثال، كانت سلطنة سنار (١٥٠٤- ١٩٢١)، حقبة طويلة من التصوف العفوي واسع الانتشار، وقد أرخ له الشيخ محمد ود ضيف الله في كتاب مشهور هو (طبقات ود ضيف الله). لكن مع هذا السكون البادئ في مزاج المتصوفة السودانيين إلا أن الإمام محمد أحمد المهدي، على سبيل المثال، تمكن من تثوير الصوفية وأنتج منها دولة استمرت لمدة 13 سنة (١٨٨٥- ١٨٩٨).
بالعودة إلى الفضاء العمومي فوق خط ١٣ درجة شمالا. يرتاد الناس ساحة المولد لمدة ١٢ يوما في كل عام هجري، ضاجين بالطبول والتهاليل والأزياء ذات الألوان. وبذا، تعد ساحة المولد ساحة لاختبار التنوع في كل شيء: الناس وأنواعهم، والألوان والأصوات والأضواء والآراء والأفكار. إنها ساحة لشرعنة وجود الجميع في الفضاءات العامة والكل مشارك في صناعة هذا الفضاء، لأنه يصنع معنى حياتهم في اللحظة التي هم فيها. والقارئ لكتاب (المسيد) للطيب محمد الطيب يلاحظ فضاء عموميا آخر إلى جانب ميدان المولد، هو (المسيد)، ويقف أيضا على تأثير هذا المكان بوصفه مؤسسة "ذات قدرة باهرة على إزالة الحواجز العرقية والقبلية والجهوية".
صورة الغلاف © ساري عمر، احتفالات الصوفية بالمولد النبوي في مسجد «ميدان»الخليفة. أم درمان.
لقرون مضت عاش هذا البلد بوصفه خليطا من الأجناس، تشغله روح البداوة بكل ما تقتضيه البداوة من عصبية والتحام. كان ذلك حتى قبل أن يأخذ اسمه الخلدوني: السودان في مقابل البيضان.
تخللت ملامحه العامة روح التدين المسيحي، لكن هذا الأمر تغير تدريجيا لصالح ديانة أخرى، هي الإسلام الذي غزا أرواح الناس وفاض إلى مجالهم العمومي الكبير.
في المجال العمومي البصري، على سبيل المثال، تشكل ساحة المولد (ميدان المولد) ملمحا من ملامح المدن السودانية الحديثة، خاصة الكبرى منها، وهو مكان مقترح بواسطة الصوفية. وعلى سبيل المثال، لا تكتمل قراءة ديوان الأدب العربي في السودان دون المرور بهذا المكان الاحتفالي المتسامح المقدس:
"فهذا اليوم ميدان التصابي
به تحلو الصبابة للشجي
كأن به وجوه الناس بشرا رياض جادها صوب الولي."
(عبدالله عبد الرحمن الضرير)
إلى الوقت الراهن يؤكد ميدان المولد المشيد برؤية الصوفية على أنه من أكثر الأماكن تحررا وسماحة في الثقافة السودانية. وهو على المستوى المعماري يعد مكانا مفتوحا يشيد كيفما اتفق بخيام القماش المتنوعة.
بنهايات القرن الثالث عشر الميلادي وبداية القرن الرابع عشر دخل الدين الإسلامي إلى هذا البلد وكفت ممكلة المقرة عن اعتناق الديانة المسيحية، وتحولت، بالمقابل، إلى إمارات صغيرة ذات سمات عربية. وبحدود بدايات القرن السادس عشر تخلفت مملكة علوة المسيحية أيضا عن كونها مسيحية؛ وبذا استقرت الحدود الجنوبية للإسلام على طول الخط ١٣ درجة شمالا.
خلال ثلاثة قرون لاحقة، تمت السيطرة للإسلام، وكان هذا هو الوقت الذي أسست فيه العائلات الدينية الكبيرة نفسها، وانتشرت سمات هذا الدين الجديد في المجال العمومي للبلاد، وأصبحت زوايا الطرق الصوفية نواة لحضارة إسلامية بطريقة ما، كما ذكر المبشِّر الإنجليزي سبنسر تريمنغهام في كتاب مهم عن (تاريخ الإسلام في السودان). وفي الواقع، ما ميز تديُّن السودانيين على الدوام هو طابعه التصوفي، ويغلب عليه، بشكل أكثر دقة، مزاجه الحجازي والمغاربي.
بمرور الوقت، ترسخت في الوجدان مبادئ (أممية صوفية) جعلت من بغداد العراق مركزا لـ (القوم)، ومن الحجاز مركزاً لـ (الكون). وعلى هذا الأساس الجديد تشذبت القبلية الأولى، وأضحت الطريقة الصوفية قاسما مشتركا وعقدا اجتماعيا متينا.
المتتبع لخريطة التصوف في السودان يجد أن الطريقة القادرية دخلت إلى السودان عن طريق الشيخ، تاج الدين البهاري، الذي زار سلطنة سنار في عام ١٥٧٧م. أما الشيخ أحمد البشير الطيب (متوفي ١٨٢٣م) فقد أدخل الطريقة السمانية لتكون إلى جانب الطريقة القادرية والشاذلية.
انتشرت الطريقة السمانية في أواخر العهد التركي، وغدت طريقة جماهيرية واسعة الانتشار، ومن رحمها خرجت الثورة المهدية. في السياق نفسه وفد إلى السودان السيد محمد عثمان الميرغني الكبير، إذ أرسله أستاذه، أحمد بن إدريس في العام ١٨١٨ إلى السودان، فأسس الطريقة الختمية، وصارت طريقة كبيرة ذات تنظيم مركزي.
استقطبت الطريقة الميرغنية غالبية عظمى من أهل الشمال والشرق وكردفان، ولها امتدادات أخرى عميقة في دولة إرتريا الحالية ومصر وشبه الجزيرة العربية.
لم تحظ الطريقة القادرية بمركز واحد، وأنشأت أفرعا عديدة في أنحاء القطر، كان لها، بالمقابل، تأثيرها الواضح في الحياة الاجتماعية. أشهر فروعها (فرع العركيين) بحواضرهم العديدة في الجزيرة، و(فرع الكباشي) بشمال الخرطوم، لمؤسسه الشيخ إبراهيم الكباشي (متوفي ١٨٧٠)، وهو عركي النسب، عاصرَ الشيخ أحمد الجعلي مؤسس (فرع كدباس)، والشيخ العبيد ود بدر (متوفي ١٨٨٤) مؤسس (فرع البادراب) الذي تمدد في منطقة البطانة وأواسط السودان.
الطريقة التجانية، وهي منبثقة عن الطريقة الشاذلية والخلوتية، أدخلها إلى السودان الشيخ محمد الشنقيطي في العام ١٨٤٧م. اشتهر مركزها الأول في خلاوي (الغُبُش) إلى الغرب من مدينة بربر بولاية نهر النيل. وكانت هي الطريقة الرئيسة في سلطنة الفور. وانبثقت عن الطريقة الختمية الطريقة الإسماعيلية التي أسسها الشيخ إسماعل الولي (متوفي ١٨٦٣)، وكذلك أنتجت الطريقة الشاذلية الطريقة المجذوبية. وكذلك ذاع صيت الطريقة البرهانية في الخرطوم ومصر وألمانيا وبين مسلمي أوروبا.
هذه الطرق، التي تكاد تغطي كافة أنحاء السودان، تهيأت تاريخياً للاندغام فى القبائل من خلال اعتداد مريديها بولائهم الروحي لآل البيت.. ورويداً رويداً تلاشت الفوارق، فلا تكاد تميِّز بين ما هو قبلي وما هو طرقي روحي.
كان التصوف في البدء تصوفا عفويا، وكان بمثابة عقد اجتماعي مشترك بين الدولة والمجتمع. على سبيل المثال، كانت سلطنة سنار (١٥٠٤- ١٩٢١)، حقبة طويلة من التصوف العفوي واسع الانتشار، وقد أرخ له الشيخ محمد ود ضيف الله في كتاب مشهور هو (طبقات ود ضيف الله). لكن مع هذا السكون البادئ في مزاج المتصوفة السودانيين إلا أن الإمام محمد أحمد المهدي، على سبيل المثال، تمكن من تثوير الصوفية وأنتج منها دولة استمرت لمدة 13 سنة (١٨٨٥- ١٨٩٨).
بالعودة إلى الفضاء العمومي فوق خط ١٣ درجة شمالا. يرتاد الناس ساحة المولد لمدة ١٢ يوما في كل عام هجري، ضاجين بالطبول والتهاليل والأزياء ذات الألوان. وبذا، تعد ساحة المولد ساحة لاختبار التنوع في كل شيء: الناس وأنواعهم، والألوان والأصوات والأضواء والآراء والأفكار. إنها ساحة لشرعنة وجود الجميع في الفضاءات العامة والكل مشارك في صناعة هذا الفضاء، لأنه يصنع معنى حياتهم في اللحظة التي هم فيها. والقارئ لكتاب (المسيد) للطيب محمد الطيب يلاحظ فضاء عموميا آخر إلى جانب ميدان المولد، هو (المسيد)، ويقف أيضا على تأثير هذا المكان بوصفه مؤسسة "ذات قدرة باهرة على إزالة الحواجز العرقية والقبلية والجهوية".
صورة الغلاف © ساري عمر، احتفالات الصوفية بالمولد النبوي في مسجد «ميدان»الخليفة. أم درمان.
قصة عن الصمود
قصة عن الصمود
"ماذا يعني لي الصمود؟" رحلة كفاح صانع أفلام سوداني شاب
الصمود، الهوية والذاكرة الثقافية هي قضايا رئيسية تتكرر في أعمال صانع الأفلام السوداني الشاب إبراهيم أحمد المشهور باسم سنوبي، وذلك لأنها تُشكِّل جزاءً من سِمات رِحلته الشخصية والتي يبحث عنها ويبرزها عند اختياره للقصص التي يرويها.
بدأت علاقة سنوبي بعالم صناعة الأفلام عندما مثَّل دوراًً في عمل صغير وهو طالب جامعي بالخرطوم. كانت تلك التجربة في عام 2013 بمثابة الحافز الذي أحسَّ من خلاله برغبته في مزيد من الانخراط في عالم صناعة الأفلام، بل حتى إنتاج أفلامه الخاصة. وبالاتحاد مع بعض الأصدقاء الذين كانوا يشاركونه رؤيته أطلقوا شركتهم الإنتاجية الخاصة والتي أسموها In Deep Visions
بدأت الشركة بإمكانيات بسيطة في إنتاج أعمال قصيرة مثل فلم الخيال مارينا وفلمين من أفلام الرعب القصيرة سميت “اللعنة”1 و“اللعنة2”. وبجانب شركته استمر سنوبي في التعاون مع صناع أفلام آخرين في أعمالهم كممثل أو مصور، ومن أمثلة هذا التعاون تصويره لفيلم "خرطوم أوف سايت" من إخراج مروى زين، وهو عمل يُسلّط الضوء على كفاح فريق كرة القدم النسائي في السودان في وجه العقبات الاجتماعية والسياسية لتحقيق حلمهم في احتراف كرة القدم.
كانت الثورة السودانية في ديسمبر ٢٠١٨ لحظة تاريخية ألهمت الشباب المبدعين لما كانت تحملها من وعود بالحرية والتغيير، وكان سنوبي وشركته ضمن هؤلاء المُلهَمين؛ حيث شارك في تصوير فيلم “السودان تذكرونا” للمخرجة هند المدب والذي خلَّد أفراح وآمال السودانيين إبان ثورتهم.
وفي أعقاب تلاشي آمالهم في نجاح الثورة، أنتجت الشركة فلم “رحلة إلى كينيا” والذي وثّق لرحلة فريق سوداني للجيوجيتسو "حيث سافر الفريق إلى كينيا للمشاركة في بطولة بحافلة متهالكة وبميزانية محدودة متحدّين بذلك كل الصعاب.
في أبريل ٢٠٢٣ اندلعت الحرب في السودان لتُشكِّل نقطة فاصلة في حياة ملايين السودانيين لما صاحبها من عنف ودمار، ونتيجة لذلك أُرغم سنوبي والعديد من المبدعين على المغادرة، حيث استقرَّ أغلبهم في دول الجوار. سنوبي يقيم الآن في كينيا، حيث يعمل على مجموعة من المشاريع من بينها مشاركته في إنتاج فيلم وثائقي ‘الخرطوم‘ ووهو إنتاج مشترك بين native film voice وSudan Film Factory
وقد بدء تصويره قبل الحرب، ويحكي عن حياة خمسة أشخاص والتحديات التي يواجهونها في الخرطوم، وبسبب اندلاع الحرب اضطر الفريق لتعديل القصة وإضافة مؤثرات سينمائية إبداعية لإكمال الإنتاج.
وبحسب سنوبي، فإن من ثمار الصمود والمقاومة تحقيق الأحلام وإكمال الأهداف، ولكن بينما لدى معظم الناس الكثير من الأمنيات والأهداف، فإن تحويلها إلى واقع لا يتأتى لأغلبهم، وذلك إما لعدم معرفتهم في كيفية المضي قدماً أو لافتقارهم للمعرفة والقدوة المرشدة. ويرى سنوبي أن وجود الخطة والقدوة الملهمة من المجتمع المحيط هو مفتاح الوصول للأهداف ويقول : "احتاج لمايكل جوردن من صميم مجتمعنا ليلهمني الإيمان بنفسي أكثر".
و أشار سنوبي لأنه بينما يوجد العديد من قصص النجاح الملهمة للسودانيين على شبكات التواصل مثل فيسبوك، فإنه لا يتم التوثيق والتعريف بمثل هذه القصص.ووفقاً لصانع الأفلام الشاب، فإن الإرادة لإنجاز الأهداف ليست مرتبطة بالعمر أو الجنس أو أيّ تصنيف آخر، ولكنه يؤكد على أهمية أشياء مثل التعاون مع الآخرين وزمن الإنجاز بالاستمرارية والثبات. وأضاف أنه في بعض الأحيان يكون مجرد المقاومة للبقاء على قيد الحياة ليومٍ آخر هو عين الصمود.
ورداً على سؤال ما إذا كان يرى أن هنالك شكل سوداني خاص للصمود والعزيمة، يقول سنوبي إن هذه سمات إنسانية مشتركة وقد يتفرّد السودانيون في بعض التفاصيل الصغيرة، وضرب مثلاً بالاحتجاجات الأخيرة في كينيا وكيفية تنظيمها مقارنة بكيفية تعبئة الشباب أثناء الثورة.
“راجعين تاني” هي أحدث إنتاجات شركة In Deep Vision وهي أغنية تعكس مشاعر وعزيمة السودانيين الذين اضطروا للفرار من الحرب وشوقهم العميق للعودة. يَصِف سنوبي لحن وكلمات الأغنية بأنها عاطفية وملهمة وتختلف من أغنيات أخرى أُنتجت خلال الحرب بأنها تحمل رسالة أمل لأولائك الذين بقوا في السودان، لتقول لهم بأننا راجعون وبأننا لم ننسَكم.
ربما تكون أفضل طريقة لفهم تأقلم سنوبي مع الواقع وصموده للكفاح هو النظر لما حققه هو ورفقائه في In Deep Visions منذ أن أطلقوا شركتهم قبل عشر سنوات، وكيف أنهم من خلال التصميم وقوة الإرادة استطاعوا التغلب على العقبات والنكسات التي يواجهها المبدعون يومياً في السودان، وأحياناً يصعب تصديقها وآخرها ما كان في الحرب من عنف وقمع. فازت أعمالهم بعدة جوائز في مهرجانات محلية ودولية من ضمنها مهرجان ترهاقا والمهرجانات الأوربية، مما جعل اسم سنوبي مألوفاً في السودان. وقد زادت هذه الثقة التي وضعها الجمهور في صانع الأفلام الشاب من ثقته بنفسه كثيراً. وليس مستغرباً الآن أن فلم “الخرطوم” الذي يشارك في إخراجه سيعرض في مطلع عام ٢٠٢٥ على شاشات مهرجان دولي مرموق ومعروف مثل مهرجان سنداس للأفلام . سنوبي فخور للغاية بهذا الإنجاز، وأشار بأنه لم يكن وليد حظّ أو صدفة بل هو ثمرة للإبداع والعزيمة والعمل الدؤوب.
عن الأغنية:
أغنية راجعين تاني من إنتاج شركة إن ديب فيجون فيلمز من أداء نايل ، محمد ادم ابو ، بيحة ، وشمسو من إنتاج موسيقي نايل وكلمات الشاعر محمود الجيلي. تم إصدار الأغنية في العاشر من أكتوبر ٢٠٢٤م وما يوافق اليوم العالمي للصحة النفسية.
يمكنك الاستماع إلى أغنية راجعين تاني الرسمية على ساوند كلاود
برعاية تاركو أفييشن، كاشي، 106.6 PRO FM
تصميم الملصق: نهال كمال
"ماذا يعني لي الصمود؟" رحلة كفاح صانع أفلام سوداني شاب
الصمود، الهوية والذاكرة الثقافية هي قضايا رئيسية تتكرر في أعمال صانع الأفلام السوداني الشاب إبراهيم أحمد المشهور باسم سنوبي، وذلك لأنها تُشكِّل جزاءً من سِمات رِحلته الشخصية والتي يبحث عنها ويبرزها عند اختياره للقصص التي يرويها.
بدأت علاقة سنوبي بعالم صناعة الأفلام عندما مثَّل دوراًً في عمل صغير وهو طالب جامعي بالخرطوم. كانت تلك التجربة في عام 2013 بمثابة الحافز الذي أحسَّ من خلاله برغبته في مزيد من الانخراط في عالم صناعة الأفلام، بل حتى إنتاج أفلامه الخاصة. وبالاتحاد مع بعض الأصدقاء الذين كانوا يشاركونه رؤيته أطلقوا شركتهم الإنتاجية الخاصة والتي أسموها In Deep Visions
بدأت الشركة بإمكانيات بسيطة في إنتاج أعمال قصيرة مثل فلم الخيال مارينا وفلمين من أفلام الرعب القصيرة سميت “اللعنة”1 و“اللعنة2”. وبجانب شركته استمر سنوبي في التعاون مع صناع أفلام آخرين في أعمالهم كممثل أو مصور، ومن أمثلة هذا التعاون تصويره لفيلم "خرطوم أوف سايت" من إخراج مروى زين، وهو عمل يُسلّط الضوء على كفاح فريق كرة القدم النسائي في السودان في وجه العقبات الاجتماعية والسياسية لتحقيق حلمهم في احتراف كرة القدم.
كانت الثورة السودانية في ديسمبر ٢٠١٨ لحظة تاريخية ألهمت الشباب المبدعين لما كانت تحملها من وعود بالحرية والتغيير، وكان سنوبي وشركته ضمن هؤلاء المُلهَمين؛ حيث شارك في تصوير فيلم “السودان تذكرونا” للمخرجة هند المدب والذي خلَّد أفراح وآمال السودانيين إبان ثورتهم.
وفي أعقاب تلاشي آمالهم في نجاح الثورة، أنتجت الشركة فلم “رحلة إلى كينيا” والذي وثّق لرحلة فريق سوداني للجيوجيتسو "حيث سافر الفريق إلى كينيا للمشاركة في بطولة بحافلة متهالكة وبميزانية محدودة متحدّين بذلك كل الصعاب.
في أبريل ٢٠٢٣ اندلعت الحرب في السودان لتُشكِّل نقطة فاصلة في حياة ملايين السودانيين لما صاحبها من عنف ودمار، ونتيجة لذلك أُرغم سنوبي والعديد من المبدعين على المغادرة، حيث استقرَّ أغلبهم في دول الجوار. سنوبي يقيم الآن في كينيا، حيث يعمل على مجموعة من المشاريع من بينها مشاركته في إنتاج فيلم وثائقي ‘الخرطوم‘ ووهو إنتاج مشترك بين native film voice وSudan Film Factory
وقد بدء تصويره قبل الحرب، ويحكي عن حياة خمسة أشخاص والتحديات التي يواجهونها في الخرطوم، وبسبب اندلاع الحرب اضطر الفريق لتعديل القصة وإضافة مؤثرات سينمائية إبداعية لإكمال الإنتاج.
وبحسب سنوبي، فإن من ثمار الصمود والمقاومة تحقيق الأحلام وإكمال الأهداف، ولكن بينما لدى معظم الناس الكثير من الأمنيات والأهداف، فإن تحويلها إلى واقع لا يتأتى لأغلبهم، وذلك إما لعدم معرفتهم في كيفية المضي قدماً أو لافتقارهم للمعرفة والقدوة المرشدة. ويرى سنوبي أن وجود الخطة والقدوة الملهمة من المجتمع المحيط هو مفتاح الوصول للأهداف ويقول : "احتاج لمايكل جوردن من صميم مجتمعنا ليلهمني الإيمان بنفسي أكثر".
و أشار سنوبي لأنه بينما يوجد العديد من قصص النجاح الملهمة للسودانيين على شبكات التواصل مثل فيسبوك، فإنه لا يتم التوثيق والتعريف بمثل هذه القصص.ووفقاً لصانع الأفلام الشاب، فإن الإرادة لإنجاز الأهداف ليست مرتبطة بالعمر أو الجنس أو أيّ تصنيف آخر، ولكنه يؤكد على أهمية أشياء مثل التعاون مع الآخرين وزمن الإنجاز بالاستمرارية والثبات. وأضاف أنه في بعض الأحيان يكون مجرد المقاومة للبقاء على قيد الحياة ليومٍ آخر هو عين الصمود.
ورداً على سؤال ما إذا كان يرى أن هنالك شكل سوداني خاص للصمود والعزيمة، يقول سنوبي إن هذه سمات إنسانية مشتركة وقد يتفرّد السودانيون في بعض التفاصيل الصغيرة، وضرب مثلاً بالاحتجاجات الأخيرة في كينيا وكيفية تنظيمها مقارنة بكيفية تعبئة الشباب أثناء الثورة.
“راجعين تاني” هي أحدث إنتاجات شركة In Deep Vision وهي أغنية تعكس مشاعر وعزيمة السودانيين الذين اضطروا للفرار من الحرب وشوقهم العميق للعودة. يَصِف سنوبي لحن وكلمات الأغنية بأنها عاطفية وملهمة وتختلف من أغنيات أخرى أُنتجت خلال الحرب بأنها تحمل رسالة أمل لأولائك الذين بقوا في السودان، لتقول لهم بأننا راجعون وبأننا لم ننسَكم.
ربما تكون أفضل طريقة لفهم تأقلم سنوبي مع الواقع وصموده للكفاح هو النظر لما حققه هو ورفقائه في In Deep Visions منذ أن أطلقوا شركتهم قبل عشر سنوات، وكيف أنهم من خلال التصميم وقوة الإرادة استطاعوا التغلب على العقبات والنكسات التي يواجهها المبدعون يومياً في السودان، وأحياناً يصعب تصديقها وآخرها ما كان في الحرب من عنف وقمع. فازت أعمالهم بعدة جوائز في مهرجانات محلية ودولية من ضمنها مهرجان ترهاقا والمهرجانات الأوربية، مما جعل اسم سنوبي مألوفاً في السودان. وقد زادت هذه الثقة التي وضعها الجمهور في صانع الأفلام الشاب من ثقته بنفسه كثيراً. وليس مستغرباً الآن أن فلم “الخرطوم” الذي يشارك في إخراجه سيعرض في مطلع عام ٢٠٢٥ على شاشات مهرجان دولي مرموق ومعروف مثل مهرجان سنداس للأفلام . سنوبي فخور للغاية بهذا الإنجاز، وأشار بأنه لم يكن وليد حظّ أو صدفة بل هو ثمرة للإبداع والعزيمة والعمل الدؤوب.
عن الأغنية:
أغنية راجعين تاني من إنتاج شركة إن ديب فيجون فيلمز من أداء نايل ، محمد ادم ابو ، بيحة ، وشمسو من إنتاج موسيقي نايل وكلمات الشاعر محمود الجيلي. تم إصدار الأغنية في العاشر من أكتوبر ٢٠٢٤م وما يوافق اليوم العالمي للصحة النفسية.
يمكنك الاستماع إلى أغنية راجعين تاني الرسمية على ساوند كلاود
برعاية تاركو أفييشن، كاشي، 106.6 PRO FM
تصميم الملصق: نهال كمال
"ماذا يعني لي الصمود؟" رحلة كفاح صانع أفلام سوداني شاب
الصمود، الهوية والذاكرة الثقافية هي قضايا رئيسية تتكرر في أعمال صانع الأفلام السوداني الشاب إبراهيم أحمد المشهور باسم سنوبي، وذلك لأنها تُشكِّل جزاءً من سِمات رِحلته الشخصية والتي يبحث عنها ويبرزها عند اختياره للقصص التي يرويها.
بدأت علاقة سنوبي بعالم صناعة الأفلام عندما مثَّل دوراًً في عمل صغير وهو طالب جامعي بالخرطوم. كانت تلك التجربة في عام 2013 بمثابة الحافز الذي أحسَّ من خلاله برغبته في مزيد من الانخراط في عالم صناعة الأفلام، بل حتى إنتاج أفلامه الخاصة. وبالاتحاد مع بعض الأصدقاء الذين كانوا يشاركونه رؤيته أطلقوا شركتهم الإنتاجية الخاصة والتي أسموها In Deep Visions
بدأت الشركة بإمكانيات بسيطة في إنتاج أعمال قصيرة مثل فلم الخيال مارينا وفلمين من أفلام الرعب القصيرة سميت “اللعنة”1 و“اللعنة2”. وبجانب شركته استمر سنوبي في التعاون مع صناع أفلام آخرين في أعمالهم كممثل أو مصور، ومن أمثلة هذا التعاون تصويره لفيلم "خرطوم أوف سايت" من إخراج مروى زين، وهو عمل يُسلّط الضوء على كفاح فريق كرة القدم النسائي في السودان في وجه العقبات الاجتماعية والسياسية لتحقيق حلمهم في احتراف كرة القدم.
كانت الثورة السودانية في ديسمبر ٢٠١٨ لحظة تاريخية ألهمت الشباب المبدعين لما كانت تحملها من وعود بالحرية والتغيير، وكان سنوبي وشركته ضمن هؤلاء المُلهَمين؛ حيث شارك في تصوير فيلم “السودان تذكرونا” للمخرجة هند المدب والذي خلَّد أفراح وآمال السودانيين إبان ثورتهم.
وفي أعقاب تلاشي آمالهم في نجاح الثورة، أنتجت الشركة فلم “رحلة إلى كينيا” والذي وثّق لرحلة فريق سوداني للجيوجيتسو "حيث سافر الفريق إلى كينيا للمشاركة في بطولة بحافلة متهالكة وبميزانية محدودة متحدّين بذلك كل الصعاب.
في أبريل ٢٠٢٣ اندلعت الحرب في السودان لتُشكِّل نقطة فاصلة في حياة ملايين السودانيين لما صاحبها من عنف ودمار، ونتيجة لذلك أُرغم سنوبي والعديد من المبدعين على المغادرة، حيث استقرَّ أغلبهم في دول الجوار. سنوبي يقيم الآن في كينيا، حيث يعمل على مجموعة من المشاريع من بينها مشاركته في إنتاج فيلم وثائقي ‘الخرطوم‘ ووهو إنتاج مشترك بين native film voice وSudan Film Factory
وقد بدء تصويره قبل الحرب، ويحكي عن حياة خمسة أشخاص والتحديات التي يواجهونها في الخرطوم، وبسبب اندلاع الحرب اضطر الفريق لتعديل القصة وإضافة مؤثرات سينمائية إبداعية لإكمال الإنتاج.
وبحسب سنوبي، فإن من ثمار الصمود والمقاومة تحقيق الأحلام وإكمال الأهداف، ولكن بينما لدى معظم الناس الكثير من الأمنيات والأهداف، فإن تحويلها إلى واقع لا يتأتى لأغلبهم، وذلك إما لعدم معرفتهم في كيفية المضي قدماً أو لافتقارهم للمعرفة والقدوة المرشدة. ويرى سنوبي أن وجود الخطة والقدوة الملهمة من المجتمع المحيط هو مفتاح الوصول للأهداف ويقول : "احتاج لمايكل جوردن من صميم مجتمعنا ليلهمني الإيمان بنفسي أكثر".
و أشار سنوبي لأنه بينما يوجد العديد من قصص النجاح الملهمة للسودانيين على شبكات التواصل مثل فيسبوك، فإنه لا يتم التوثيق والتعريف بمثل هذه القصص.ووفقاً لصانع الأفلام الشاب، فإن الإرادة لإنجاز الأهداف ليست مرتبطة بالعمر أو الجنس أو أيّ تصنيف آخر، ولكنه يؤكد على أهمية أشياء مثل التعاون مع الآخرين وزمن الإنجاز بالاستمرارية والثبات. وأضاف أنه في بعض الأحيان يكون مجرد المقاومة للبقاء على قيد الحياة ليومٍ آخر هو عين الصمود.
ورداً على سؤال ما إذا كان يرى أن هنالك شكل سوداني خاص للصمود والعزيمة، يقول سنوبي إن هذه سمات إنسانية مشتركة وقد يتفرّد السودانيون في بعض التفاصيل الصغيرة، وضرب مثلاً بالاحتجاجات الأخيرة في كينيا وكيفية تنظيمها مقارنة بكيفية تعبئة الشباب أثناء الثورة.
“راجعين تاني” هي أحدث إنتاجات شركة In Deep Vision وهي أغنية تعكس مشاعر وعزيمة السودانيين الذين اضطروا للفرار من الحرب وشوقهم العميق للعودة. يَصِف سنوبي لحن وكلمات الأغنية بأنها عاطفية وملهمة وتختلف من أغنيات أخرى أُنتجت خلال الحرب بأنها تحمل رسالة أمل لأولائك الذين بقوا في السودان، لتقول لهم بأننا راجعون وبأننا لم ننسَكم.
ربما تكون أفضل طريقة لفهم تأقلم سنوبي مع الواقع وصموده للكفاح هو النظر لما حققه هو ورفقائه في In Deep Visions منذ أن أطلقوا شركتهم قبل عشر سنوات، وكيف أنهم من خلال التصميم وقوة الإرادة استطاعوا التغلب على العقبات والنكسات التي يواجهها المبدعون يومياً في السودان، وأحياناً يصعب تصديقها وآخرها ما كان في الحرب من عنف وقمع. فازت أعمالهم بعدة جوائز في مهرجانات محلية ودولية من ضمنها مهرجان ترهاقا والمهرجانات الأوربية، مما جعل اسم سنوبي مألوفاً في السودان. وقد زادت هذه الثقة التي وضعها الجمهور في صانع الأفلام الشاب من ثقته بنفسه كثيراً. وليس مستغرباً الآن أن فلم “الخرطوم” الذي يشارك في إخراجه سيعرض في مطلع عام ٢٠٢٥ على شاشات مهرجان دولي مرموق ومعروف مثل مهرجان سنداس للأفلام . سنوبي فخور للغاية بهذا الإنجاز، وأشار بأنه لم يكن وليد حظّ أو صدفة بل هو ثمرة للإبداع والعزيمة والعمل الدؤوب.
عن الأغنية:
أغنية راجعين تاني من إنتاج شركة إن ديب فيجون فيلمز من أداء نايل ، محمد ادم ابو ، بيحة ، وشمسو من إنتاج موسيقي نايل وكلمات الشاعر محمود الجيلي. تم إصدار الأغنية في العاشر من أكتوبر ٢٠٢٤م وما يوافق اليوم العالمي للصحة النفسية.
يمكنك الاستماع إلى أغنية راجعين تاني الرسمية على ساوند كلاود
برعاية تاركو أفييشن، كاشي، 106.6 PRO FM
تصميم الملصق: نهال كمال
وقت اللعب في السروراب
وقت اللعب في السروراب
في الحيشان وفي زقاقات الحِلَّة وفوق المصاطب وتحت النيم: "شِليل وينو؟.. أكلو الدودو.. شِليل وين راح؟ .. أَكَلو التمساح".
عبارات أنشدناها أطفالًا أثناء البحث عن شِليل، وانتهى البحث بعثورنا على قطعة العظم أو الحجر "شِليل" الذي تمّ رميه. لعبة شِليل وغيرها من الألعاب ملأت أيامنا صغارًا، وتمثل جزءًا كبيرًا من نسيج ذكرياتنا كبارًا. تختلف الألعاب في السودان باختلاف المناطق واختلاف الموروث الثقافي الخاص بكل منطقة، وتتشابه في إسهامها في تعزيز الروابط الاجتماعية وتنمية المهارات البدنية والذهنية لدى الأطفال.
لا نحتاج إلى الكثير عند اللعب، فبعض الجوارب تكفي لصُنع كرة، وخرطوم المياه ممتاز للقفز، وطوبتين أو حذاء يكفي لتحديد المرمى، وبقايا الأقمشة التي نجدها في منازلنا تكفي لصنع دمى "بنات أم لعاب". ولا يقتصر اللعب على الصغار، فـ"الدافوري"، وهي لعبة كرة القدم الشارع، يلعبها الجميع ويقام لها دوري في الأحياء.
الجدير بالذكر أن هذه الألعاب المختلفة كانت أُنساً لنا في طفولتنا قبل ظهور ألعاب الفيديو والقنوات المخصصة للأطفال، ولم تَخْلُ الشوارع والميادين من لعب الأطفال وأصوات صراخهم تشجيعًا لأحدهم أو شجارًا على اشتباه "خرخرة".
وربما ما أعاد شعبيتها لبيوت الخرطوم والمدن المختلفة التي هجر الأطفال "حيشانها" منذ زمن واُستبدلت بالألعاب الإلكترونية، هو انقطاع الإنترنت المتكرر في السنوات الأخيرة، وأزمة الكهرباء التي امتدت قطوعاتها لساعات طويلة، وأخيرًا الحرب التي هجّرتهم من منازلهم وانتهى بهم المطاف، إما في منازل أجدادهم وأقربائهم في الأقاليم أو في دور الإيواء والمدارس أو في معسكرات النازحين في ربوع السودان وخارجه. فها نحن الآن نرى الأطفال يلعبون ألعابًا لعبناها صغارًا ولعبها آباؤنا وأجدادنا من قبلنا، وبذلك تكون الألعاب منفذًا للأطفال يروحون بها عن أنفسهم وفرصة لبناء علاقات وتكوين صداقات وإثراء قدرتهم على الصمود في وجه الحرب.
تجربة مازن الرشيد في السروراب
تقع السروراب في الريف الشمالي لمدينة أمدرمان والتي تأوي مئات الأسر النازحة والمتضررة منذ بداية الحرب في تكيّة السروراب، من خلال مطبخ مجتمعي ومركز رعاية صحية يخدم النازحين وأهالي السروراب. يحكي لنا مازن الرشيد الزين، مصور سوداني من السروراب، وهو أحد القائمين على التكيّة تجربته مع الأطفال والألعاب.
أشار مازن أن أولاد الحِلّة -وهم أطفال السكان المحليين في السروراب- كانوا يفضلون لعب الـ"دافوري" فيخرجون صباحًا إلى اللعب ويستمرون في لعبهم طوال اليوم حتى المغيب، وفي الجهة الأخرى يفضل الأطفال النازحون إلى السروراب لعب الطين وبناء البيوت من الكرتون والرسم ولعب البِلِّي وغيرها من الألعاب المختلفة. وهي نفس الألعاب التي لعبناها نحن ولعبها كبارنا منذ الأزل وما زال الأطفال يلعبونها الآن مع بعض التغييرات البسيطة، ولكن يظل أساس اللعبة كما هو. على سبيل المثال، في لعبة كَمْبَلَتْ، قام الأطفال بتبديل علب الصلصة بعبوات المياه المتوفرة لديهم.
قرر مازن تسليط الضوء على هذه الألعاب وجمع أولاد الحلة والنازحين سويًا في ألعاب تُنمِّي مواهبهم ومهاراتهم الإبداعية. بدأ ذلك بتنظيم مسابقة عربات البلاستيك لثمانية عشر طفلاً، ثم مسابقة بيوت الكرتون وبعدها أشكال طينية وكانت هذه فرصة لتعارف وتكوين صداقات بين أولاد الحلّة والنازحين. أُعجبت الأمهات تحديدًا بهذه النشاطات كونها ألعاب مفيدة يشغلون بها أوقات فراغهم، وتشارك الأمهات أحيانًا في المسابقات والألعاب مع أبنائهن.
وبعد التجاوب من الأطفال والأهالي، فكر في إعادة إحياء تقليد كان يقام سنويًا في السروراب وهي مسابقة القرية. وهي مسابقة يشارك فيها الكبار يترأسهم الجد وأبنائهم، يُكوّن فيها الآباء والأبناء فرقًا ليلعبوا ألعاب متنوعة ومتعددة ولكنها توقفت منذ زمن طويل. فأتت الفكرة أن يقام دوري للكرة وإقامة مسابقة القرية ما بين الشوطين. وتطويرها عن هيئتها الأصلية بإشراك الأمهات أيضًا، حيث كانت تقتصر مسابقة القرية وجمعات الشاي في المنطقة على الرجال فقط.
في جهة أخرى، تقوم الخالة سلوى، ذات السبعين عام، بصنع دمى "بنات أم لعاب" ببقايا الأقمشة والتياب القديمة، تبدأ بعملية "برم" القماش لعمل الجسم والرأس واليدين والرجلين ثم تختار القماش للفستان والتوب، ثم تقوم بوضع الخرز لتكون عينان للدمية أو رسمها بالقلم وتنتهي بصنع الشعر من القماش الأسود. بدأت الخالة سلوى بعمل هذه الدمى للفتيات الصغيرات في البيوت المجاورة لها، ثم أصبحت الفتيات الأخريات من النازحين وأهالي المنطقة يأتينها طلبًا لدمىً يلعبن بها.
تجربة السروراب هي مثال جيد لعرض طرق مختلفة لدعم الأطفال خلال الحرب والفترات العصيبة، فتقديم سبل لللعب والاستمتاع وممارسة طفولتهم هو مهم بأهمية تقديم أنواع الدعم الأخرى.
في الحيشان وفي زقاقات الحِلَّة وفوق المصاطب وتحت النيم: "شِليل وينو؟.. أكلو الدودو.. شِليل وين راح؟ .. أَكَلو التمساح".
عبارات أنشدناها أطفالًا أثناء البحث عن شِليل، وانتهى البحث بعثورنا على قطعة العظم أو الحجر "شِليل" الذي تمّ رميه. لعبة شِليل وغيرها من الألعاب ملأت أيامنا صغارًا، وتمثل جزءًا كبيرًا من نسيج ذكرياتنا كبارًا. تختلف الألعاب في السودان باختلاف المناطق واختلاف الموروث الثقافي الخاص بكل منطقة، وتتشابه في إسهامها في تعزيز الروابط الاجتماعية وتنمية المهارات البدنية والذهنية لدى الأطفال.
لا نحتاج إلى الكثير عند اللعب، فبعض الجوارب تكفي لصُنع كرة، وخرطوم المياه ممتاز للقفز، وطوبتين أو حذاء يكفي لتحديد المرمى، وبقايا الأقمشة التي نجدها في منازلنا تكفي لصنع دمى "بنات أم لعاب". ولا يقتصر اللعب على الصغار، فـ"الدافوري"، وهي لعبة كرة القدم الشارع، يلعبها الجميع ويقام لها دوري في الأحياء.
الجدير بالذكر أن هذه الألعاب المختلفة كانت أُنساً لنا في طفولتنا قبل ظهور ألعاب الفيديو والقنوات المخصصة للأطفال، ولم تَخْلُ الشوارع والميادين من لعب الأطفال وأصوات صراخهم تشجيعًا لأحدهم أو شجارًا على اشتباه "خرخرة".
وربما ما أعاد شعبيتها لبيوت الخرطوم والمدن المختلفة التي هجر الأطفال "حيشانها" منذ زمن واُستبدلت بالألعاب الإلكترونية، هو انقطاع الإنترنت المتكرر في السنوات الأخيرة، وأزمة الكهرباء التي امتدت قطوعاتها لساعات طويلة، وأخيرًا الحرب التي هجّرتهم من منازلهم وانتهى بهم المطاف، إما في منازل أجدادهم وأقربائهم في الأقاليم أو في دور الإيواء والمدارس أو في معسكرات النازحين في ربوع السودان وخارجه. فها نحن الآن نرى الأطفال يلعبون ألعابًا لعبناها صغارًا ولعبها آباؤنا وأجدادنا من قبلنا، وبذلك تكون الألعاب منفذًا للأطفال يروحون بها عن أنفسهم وفرصة لبناء علاقات وتكوين صداقات وإثراء قدرتهم على الصمود في وجه الحرب.
تجربة مازن الرشيد في السروراب
تقع السروراب في الريف الشمالي لمدينة أمدرمان والتي تأوي مئات الأسر النازحة والمتضررة منذ بداية الحرب في تكيّة السروراب، من خلال مطبخ مجتمعي ومركز رعاية صحية يخدم النازحين وأهالي السروراب. يحكي لنا مازن الرشيد الزين، مصور سوداني من السروراب، وهو أحد القائمين على التكيّة تجربته مع الأطفال والألعاب.
أشار مازن أن أولاد الحِلّة -وهم أطفال السكان المحليين في السروراب- كانوا يفضلون لعب الـ"دافوري" فيخرجون صباحًا إلى اللعب ويستمرون في لعبهم طوال اليوم حتى المغيب، وفي الجهة الأخرى يفضل الأطفال النازحون إلى السروراب لعب الطين وبناء البيوت من الكرتون والرسم ولعب البِلِّي وغيرها من الألعاب المختلفة. وهي نفس الألعاب التي لعبناها نحن ولعبها كبارنا منذ الأزل وما زال الأطفال يلعبونها الآن مع بعض التغييرات البسيطة، ولكن يظل أساس اللعبة كما هو. على سبيل المثال، في لعبة كَمْبَلَتْ، قام الأطفال بتبديل علب الصلصة بعبوات المياه المتوفرة لديهم.
قرر مازن تسليط الضوء على هذه الألعاب وجمع أولاد الحلة والنازحين سويًا في ألعاب تُنمِّي مواهبهم ومهاراتهم الإبداعية. بدأ ذلك بتنظيم مسابقة عربات البلاستيك لثمانية عشر طفلاً، ثم مسابقة بيوت الكرتون وبعدها أشكال طينية وكانت هذه فرصة لتعارف وتكوين صداقات بين أولاد الحلّة والنازحين. أُعجبت الأمهات تحديدًا بهذه النشاطات كونها ألعاب مفيدة يشغلون بها أوقات فراغهم، وتشارك الأمهات أحيانًا في المسابقات والألعاب مع أبنائهن.
وبعد التجاوب من الأطفال والأهالي، فكر في إعادة إحياء تقليد كان يقام سنويًا في السروراب وهي مسابقة القرية. وهي مسابقة يشارك فيها الكبار يترأسهم الجد وأبنائهم، يُكوّن فيها الآباء والأبناء فرقًا ليلعبوا ألعاب متنوعة ومتعددة ولكنها توقفت منذ زمن طويل. فأتت الفكرة أن يقام دوري للكرة وإقامة مسابقة القرية ما بين الشوطين. وتطويرها عن هيئتها الأصلية بإشراك الأمهات أيضًا، حيث كانت تقتصر مسابقة القرية وجمعات الشاي في المنطقة على الرجال فقط.
في جهة أخرى، تقوم الخالة سلوى، ذات السبعين عام، بصنع دمى "بنات أم لعاب" ببقايا الأقمشة والتياب القديمة، تبدأ بعملية "برم" القماش لعمل الجسم والرأس واليدين والرجلين ثم تختار القماش للفستان والتوب، ثم تقوم بوضع الخرز لتكون عينان للدمية أو رسمها بالقلم وتنتهي بصنع الشعر من القماش الأسود. بدأت الخالة سلوى بعمل هذه الدمى للفتيات الصغيرات في البيوت المجاورة لها، ثم أصبحت الفتيات الأخريات من النازحين وأهالي المنطقة يأتينها طلبًا لدمىً يلعبن بها.
تجربة السروراب هي مثال جيد لعرض طرق مختلفة لدعم الأطفال خلال الحرب والفترات العصيبة، فتقديم سبل لللعب والاستمتاع وممارسة طفولتهم هو مهم بأهمية تقديم أنواع الدعم الأخرى.
في الحيشان وفي زقاقات الحِلَّة وفوق المصاطب وتحت النيم: "شِليل وينو؟.. أكلو الدودو.. شِليل وين راح؟ .. أَكَلو التمساح".
عبارات أنشدناها أطفالًا أثناء البحث عن شِليل، وانتهى البحث بعثورنا على قطعة العظم أو الحجر "شِليل" الذي تمّ رميه. لعبة شِليل وغيرها من الألعاب ملأت أيامنا صغارًا، وتمثل جزءًا كبيرًا من نسيج ذكرياتنا كبارًا. تختلف الألعاب في السودان باختلاف المناطق واختلاف الموروث الثقافي الخاص بكل منطقة، وتتشابه في إسهامها في تعزيز الروابط الاجتماعية وتنمية المهارات البدنية والذهنية لدى الأطفال.
لا نحتاج إلى الكثير عند اللعب، فبعض الجوارب تكفي لصُنع كرة، وخرطوم المياه ممتاز للقفز، وطوبتين أو حذاء يكفي لتحديد المرمى، وبقايا الأقمشة التي نجدها في منازلنا تكفي لصنع دمى "بنات أم لعاب". ولا يقتصر اللعب على الصغار، فـ"الدافوري"، وهي لعبة كرة القدم الشارع، يلعبها الجميع ويقام لها دوري في الأحياء.
الجدير بالذكر أن هذه الألعاب المختلفة كانت أُنساً لنا في طفولتنا قبل ظهور ألعاب الفيديو والقنوات المخصصة للأطفال، ولم تَخْلُ الشوارع والميادين من لعب الأطفال وأصوات صراخهم تشجيعًا لأحدهم أو شجارًا على اشتباه "خرخرة".
وربما ما أعاد شعبيتها لبيوت الخرطوم والمدن المختلفة التي هجر الأطفال "حيشانها" منذ زمن واُستبدلت بالألعاب الإلكترونية، هو انقطاع الإنترنت المتكرر في السنوات الأخيرة، وأزمة الكهرباء التي امتدت قطوعاتها لساعات طويلة، وأخيرًا الحرب التي هجّرتهم من منازلهم وانتهى بهم المطاف، إما في منازل أجدادهم وأقربائهم في الأقاليم أو في دور الإيواء والمدارس أو في معسكرات النازحين في ربوع السودان وخارجه. فها نحن الآن نرى الأطفال يلعبون ألعابًا لعبناها صغارًا ولعبها آباؤنا وأجدادنا من قبلنا، وبذلك تكون الألعاب منفذًا للأطفال يروحون بها عن أنفسهم وفرصة لبناء علاقات وتكوين صداقات وإثراء قدرتهم على الصمود في وجه الحرب.
تجربة مازن الرشيد في السروراب
تقع السروراب في الريف الشمالي لمدينة أمدرمان والتي تأوي مئات الأسر النازحة والمتضررة منذ بداية الحرب في تكيّة السروراب، من خلال مطبخ مجتمعي ومركز رعاية صحية يخدم النازحين وأهالي السروراب. يحكي لنا مازن الرشيد الزين، مصور سوداني من السروراب، وهو أحد القائمين على التكيّة تجربته مع الأطفال والألعاب.
أشار مازن أن أولاد الحِلّة -وهم أطفال السكان المحليين في السروراب- كانوا يفضلون لعب الـ"دافوري" فيخرجون صباحًا إلى اللعب ويستمرون في لعبهم طوال اليوم حتى المغيب، وفي الجهة الأخرى يفضل الأطفال النازحون إلى السروراب لعب الطين وبناء البيوت من الكرتون والرسم ولعب البِلِّي وغيرها من الألعاب المختلفة. وهي نفس الألعاب التي لعبناها نحن ولعبها كبارنا منذ الأزل وما زال الأطفال يلعبونها الآن مع بعض التغييرات البسيطة، ولكن يظل أساس اللعبة كما هو. على سبيل المثال، في لعبة كَمْبَلَتْ، قام الأطفال بتبديل علب الصلصة بعبوات المياه المتوفرة لديهم.
قرر مازن تسليط الضوء على هذه الألعاب وجمع أولاد الحلة والنازحين سويًا في ألعاب تُنمِّي مواهبهم ومهاراتهم الإبداعية. بدأ ذلك بتنظيم مسابقة عربات البلاستيك لثمانية عشر طفلاً، ثم مسابقة بيوت الكرتون وبعدها أشكال طينية وكانت هذه فرصة لتعارف وتكوين صداقات بين أولاد الحلّة والنازحين. أُعجبت الأمهات تحديدًا بهذه النشاطات كونها ألعاب مفيدة يشغلون بها أوقات فراغهم، وتشارك الأمهات أحيانًا في المسابقات والألعاب مع أبنائهن.
وبعد التجاوب من الأطفال والأهالي، فكر في إعادة إحياء تقليد كان يقام سنويًا في السروراب وهي مسابقة القرية. وهي مسابقة يشارك فيها الكبار يترأسهم الجد وأبنائهم، يُكوّن فيها الآباء والأبناء فرقًا ليلعبوا ألعاب متنوعة ومتعددة ولكنها توقفت منذ زمن طويل. فأتت الفكرة أن يقام دوري للكرة وإقامة مسابقة القرية ما بين الشوطين. وتطويرها عن هيئتها الأصلية بإشراك الأمهات أيضًا، حيث كانت تقتصر مسابقة القرية وجمعات الشاي في المنطقة على الرجال فقط.
في جهة أخرى، تقوم الخالة سلوى، ذات السبعين عام، بصنع دمى "بنات أم لعاب" ببقايا الأقمشة والتياب القديمة، تبدأ بعملية "برم" القماش لعمل الجسم والرأس واليدين والرجلين ثم تختار القماش للفستان والتوب، ثم تقوم بوضع الخرز لتكون عينان للدمية أو رسمها بالقلم وتنتهي بصنع الشعر من القماش الأسود. بدأت الخالة سلوى بعمل هذه الدمى للفتيات الصغيرات في البيوت المجاورة لها، ثم أصبحت الفتيات الأخريات من النازحين وأهالي المنطقة يأتينها طلبًا لدمىً يلعبن بها.
تجربة السروراب هي مثال جيد لعرض طرق مختلفة لدعم الأطفال خلال الحرب والفترات العصيبة، فتقديم سبل لللعب والاستمتاع وممارسة طفولتهم هو مهم بأهمية تقديم أنواع الدعم الأخرى.
وعاء قهوة جبنة
وعاء قهوة جبنة
وعاء قهوة من الفخار أو ما يسمى بالجبنة، يستخدم لمشاركة القهوة الحلوة للاستمتاع بها مع الأصدقاء وأفراد الأسرة.
AF1948,06.32
تم العثور عليها/الحصول عليها: أم درمان
تاريخ الاستحواذ: ١٩٤٨
© أمناء المتحف البريطاني. تمت مشاركتها تحت إسناد المشاع الإبداعي-
رخصة غير تجارية من نوع ALIKE 4.0 International (CC BY-NC-SA 4.0).
وعاء قهوة من الفخار أو ما يسمى بالجبنة، يستخدم لمشاركة القهوة الحلوة للاستمتاع بها مع الأصدقاء وأفراد الأسرة.
AF1948,06.32
تم العثور عليها/الحصول عليها: أم درمان
تاريخ الاستحواذ: ١٩٤٨
© أمناء المتحف البريطاني. تمت مشاركتها تحت إسناد المشاع الإبداعي-
رخصة غير تجارية من نوع ALIKE 4.0 International (CC BY-NC-SA 4.0).
وعاء قهوة من الفخار أو ما يسمى بالجبنة، يستخدم لمشاركة القهوة الحلوة للاستمتاع بها مع الأصدقاء وأفراد الأسرة.
AF1948,06.32
تم العثور عليها/الحصول عليها: أم درمان
تاريخ الاستحواذ: ١٩٤٨
© أمناء المتحف البريطاني. تمت مشاركتها تحت إسناد المشاع الإبداعي-
رخصة غير تجارية من نوع ALIKE 4.0 International (CC BY-NC-SA 4.0).
المسجد الكبير
المسجد الكبير
كان المسجد في عهد الإمام المهدي فضاءً مفتوحاً، وبعد وفاته عام ١٨٨٥ م أُحيط بسور من الطين ليسع ٢٠ ألف مصلي. أُعيد بناء السور بالطوب المحروق وتبييضه بالجير الأبيض عام ١٨٨٩ م، وأُضيف للسور ثمانية أبواب منها باب خشبيّ كبير يقابل بيت الخليفة، بينما كانت الأبواب الأخرى مجرد فتحات.
كان للمسجد محراب بالجانب الشرقي، وقد كان مُخصّصاً للخليفة ليصلي بالناس يومياً، عدا الجمعة، وفي الناحية الغربية للمسجد كان يوجد جناح مخصص للنساء للصلاة، والتعليم الديني، وحلقات القرآن، وقراءة راتب الإمام المهدي. وإضافة إلى أداء الصلوات كانت ساحة المسجد مقراً لتنفيذ الأحكام على رؤوس الأشهاد. كانت الصلاة في المسجد الكبير إجبارية. كما كان هناك ترتيب معين للمصلين خلف الخليفة عبد الله، وفي غيابه كان يُنيب عنه العلماء.
بعد معركة كرري وظف اللورد كتشنر مساحة المسجد الكبير ملعباً وساحة لاستعراض الجيش. وفي سبعينيّات القرن الماضي هُدمت الجهات الشمالية والشرقية والغربية للسور لتحويله لحديقة عامة، إلا أن المشروع لم يُكلل بالنجاح.
يُعد المسجد الآن من أكبر المساحات فضاءً في أم درمان، وتمارس فيه المناسبات الدينية كصلاة العيدين، واحتفالات المولد النبوي، والاحتفالات الوطنية. وكانت مدينة أم درمان تزدان بأبهى حللها في المواسم الدينية، فتُرفع الرايات، ويَستعرِض الجيش، وتُدق الطبول، ويخرج الخليفة عبد الله في موكبه العظيم.
قبل أن يعرف مسجد الخليفة باحتفالات المولد النبوي الشريف كان الأنصار يحتفلون بالرجبية (يُوافق٢٧ رجب من كل سنة) ،وعيد الفطر، وعيد الأضحى. و كان عيد الأضحى أهمّ الأعياد، وذلك لأن المدينة كانت تستقبل أعداداً هائلة من القادمين لزيارتها، أو استجابة لطلب الخليفة عبد الله. وكان الخليفة عبد الله يدعو أمراء العمالات وقادتها في عيد الأضحى لتجديد الولاء، وطرح المشاكل ووضع الحلول لها، كما أنّه كان يستنفر القبائل المشكوك في ولائها، ويجبرها على القدوم إلى المدينة وإعلان الطاعة له.
كان المسجد في عهد الإمام المهدي فضاءً مفتوحاً، وبعد وفاته عام ١٨٨٥ م أُحيط بسور من الطين ليسع ٢٠ ألف مصلي. أُعيد بناء السور بالطوب المحروق وتبييضه بالجير الأبيض عام ١٨٨٩ م، وأُضيف للسور ثمانية أبواب منها باب خشبيّ كبير يقابل بيت الخليفة، بينما كانت الأبواب الأخرى مجرد فتحات.
كان للمسجد محراب بالجانب الشرقي، وقد كان مُخصّصاً للخليفة ليصلي بالناس يومياً، عدا الجمعة، وفي الناحية الغربية للمسجد كان يوجد جناح مخصص للنساء للصلاة، والتعليم الديني، وحلقات القرآن، وقراءة راتب الإمام المهدي. وإضافة إلى أداء الصلوات كانت ساحة المسجد مقراً لتنفيذ الأحكام على رؤوس الأشهاد. كانت الصلاة في المسجد الكبير إجبارية. كما كان هناك ترتيب معين للمصلين خلف الخليفة عبد الله، وفي غيابه كان يُنيب عنه العلماء.
بعد معركة كرري وظف اللورد كتشنر مساحة المسجد الكبير ملعباً وساحة لاستعراض الجيش. وفي سبعينيّات القرن الماضي هُدمت الجهات الشمالية والشرقية والغربية للسور لتحويله لحديقة عامة، إلا أن المشروع لم يُكلل بالنجاح.
يُعد المسجد الآن من أكبر المساحات فضاءً في أم درمان، وتمارس فيه المناسبات الدينية كصلاة العيدين، واحتفالات المولد النبوي، والاحتفالات الوطنية. وكانت مدينة أم درمان تزدان بأبهى حللها في المواسم الدينية، فتُرفع الرايات، ويَستعرِض الجيش، وتُدق الطبول، ويخرج الخليفة عبد الله في موكبه العظيم.
قبل أن يعرف مسجد الخليفة باحتفالات المولد النبوي الشريف كان الأنصار يحتفلون بالرجبية (يُوافق٢٧ رجب من كل سنة) ،وعيد الفطر، وعيد الأضحى. و كان عيد الأضحى أهمّ الأعياد، وذلك لأن المدينة كانت تستقبل أعداداً هائلة من القادمين لزيارتها، أو استجابة لطلب الخليفة عبد الله. وكان الخليفة عبد الله يدعو أمراء العمالات وقادتها في عيد الأضحى لتجديد الولاء، وطرح المشاكل ووضع الحلول لها، كما أنّه كان يستنفر القبائل المشكوك في ولائها، ويجبرها على القدوم إلى المدينة وإعلان الطاعة له.
كان المسجد في عهد الإمام المهدي فضاءً مفتوحاً، وبعد وفاته عام ١٨٨٥ م أُحيط بسور من الطين ليسع ٢٠ ألف مصلي. أُعيد بناء السور بالطوب المحروق وتبييضه بالجير الأبيض عام ١٨٨٩ م، وأُضيف للسور ثمانية أبواب منها باب خشبيّ كبير يقابل بيت الخليفة، بينما كانت الأبواب الأخرى مجرد فتحات.
كان للمسجد محراب بالجانب الشرقي، وقد كان مُخصّصاً للخليفة ليصلي بالناس يومياً، عدا الجمعة، وفي الناحية الغربية للمسجد كان يوجد جناح مخصص للنساء للصلاة، والتعليم الديني، وحلقات القرآن، وقراءة راتب الإمام المهدي. وإضافة إلى أداء الصلوات كانت ساحة المسجد مقراً لتنفيذ الأحكام على رؤوس الأشهاد. كانت الصلاة في المسجد الكبير إجبارية. كما كان هناك ترتيب معين للمصلين خلف الخليفة عبد الله، وفي غيابه كان يُنيب عنه العلماء.
بعد معركة كرري وظف اللورد كتشنر مساحة المسجد الكبير ملعباً وساحة لاستعراض الجيش. وفي سبعينيّات القرن الماضي هُدمت الجهات الشمالية والشرقية والغربية للسور لتحويله لحديقة عامة، إلا أن المشروع لم يُكلل بالنجاح.
يُعد المسجد الآن من أكبر المساحات فضاءً في أم درمان، وتمارس فيه المناسبات الدينية كصلاة العيدين، واحتفالات المولد النبوي، والاحتفالات الوطنية. وكانت مدينة أم درمان تزدان بأبهى حللها في المواسم الدينية، فتُرفع الرايات، ويَستعرِض الجيش، وتُدق الطبول، ويخرج الخليفة عبد الله في موكبه العظيم.
قبل أن يعرف مسجد الخليفة باحتفالات المولد النبوي الشريف كان الأنصار يحتفلون بالرجبية (يُوافق٢٧ رجب من كل سنة) ،وعيد الفطر، وعيد الأضحى. و كان عيد الأضحى أهمّ الأعياد، وذلك لأن المدينة كانت تستقبل أعداداً هائلة من القادمين لزيارتها، أو استجابة لطلب الخليفة عبد الله. وكان الخليفة عبد الله يدعو أمراء العمالات وقادتها في عيد الأضحى لتجديد الولاء، وطرح المشاكل ووضع الحلول لها، كما أنّه كان يستنفر القبائل المشكوك في ولائها، ويجبرها على القدوم إلى المدينة وإعلان الطاعة له.
صوت الخرطوم
صوت الخرطوم
تقدم هذه الحلقة لمحة عامة عن المشهد الموسيقي البديل في الخرطوم خلال الستين عامًا الماضية عبر النظر في التأثيرات المختلفة التي أدت لظهور موسيقى الجاز، الزنق والراب في النطاق الحضري. نقدم لمحة عن تقاطعات هذه الموسيقى مع الطبقة الاجتماعية والسياسة في الخرطوم وكيف أن هذه المنتوجات الثقافية السودانية لم تمر عبر قنوات المؤسسات الإعلامية الرسمية إلا بشكل محدود وبالتالي أصبحت موسيقى مهمشة.
فعبر المقابلات التي أجريناها مع أصوات سودانية من رواد فنّي الجاز والزنق في هذه الحلقة وسردنا لقصصهم، نناقش التفرقة الثقافية والوصمة الاجتماعية التي تفرضها النخب المهيمنة على الموسيقى البديلة، ونوضح أنه كيف برغم هذه الظروف تحولت موسيقى الجاز الزنق والراب إلى موسيقى شائعة في السودان من خلال المنصات البديلة، مثل الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.
من خلال هذا البودكاست ندعو الشابات والشباب للمشاركة في توثيق الموسيقى البديلة ودعمها من خلال الوسائل الرسمية وغير الرسمية.
عمل على إنتاج الحلقة كل من:
الباحثين: لينة شبيكة، المزن محمد الحسن، مي أبو صالح، والرصة.
تقديم وإنتاج: المزن محمد الحسن ومحمد عبد العزيز.
تحرير: المزن محمد الحسن، فريق تحرير الرصة، SB249 من راكوبة راب، وهاشدوك.
موسيقى: الزين ستوديو.
ميكساج: طارق سليمان.
إدارة: زينب عثمان.
معدات ومساعدة تقنية: المصطبة TV.
تم التسجيل بأستوديو Rift Digital Lab.
تقدم هذه الحلقة لمحة عامة عن المشهد الموسيقي البديل في الخرطوم خلال الستين عامًا الماضية عبر النظر في التأثيرات المختلفة التي أدت لظهور موسيقى الجاز، الزنق والراب في النطاق الحضري. نقدم لمحة عن تقاطعات هذه الموسيقى مع الطبقة الاجتماعية والسياسة في الخرطوم وكيف أن هذه المنتوجات الثقافية السودانية لم تمر عبر قنوات المؤسسات الإعلامية الرسمية إلا بشكل محدود وبالتالي أصبحت موسيقى مهمشة.
فعبر المقابلات التي أجريناها مع أصوات سودانية من رواد فنّي الجاز والزنق في هذه الحلقة وسردنا لقصصهم، نناقش التفرقة الثقافية والوصمة الاجتماعية التي تفرضها النخب المهيمنة على الموسيقى البديلة، ونوضح أنه كيف برغم هذه الظروف تحولت موسيقى الجاز الزنق والراب إلى موسيقى شائعة في السودان من خلال المنصات البديلة، مثل الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.
من خلال هذا البودكاست ندعو الشابات والشباب للمشاركة في توثيق الموسيقى البديلة ودعمها من خلال الوسائل الرسمية وغير الرسمية.
عمل على إنتاج الحلقة كل من:
الباحثين: لينة شبيكة، المزن محمد الحسن، مي أبو صالح، والرصة.
تقديم وإنتاج: المزن محمد الحسن ومحمد عبد العزيز.
تحرير: المزن محمد الحسن، فريق تحرير الرصة، SB249 من راكوبة راب، وهاشدوك.
موسيقى: الزين ستوديو.
ميكساج: طارق سليمان.
إدارة: زينب عثمان.
معدات ومساعدة تقنية: المصطبة TV.
تم التسجيل بأستوديو Rift Digital Lab.
تقدم هذه الحلقة لمحة عامة عن المشهد الموسيقي البديل في الخرطوم خلال الستين عامًا الماضية عبر النظر في التأثيرات المختلفة التي أدت لظهور موسيقى الجاز، الزنق والراب في النطاق الحضري. نقدم لمحة عن تقاطعات هذه الموسيقى مع الطبقة الاجتماعية والسياسة في الخرطوم وكيف أن هذه المنتوجات الثقافية السودانية لم تمر عبر قنوات المؤسسات الإعلامية الرسمية إلا بشكل محدود وبالتالي أصبحت موسيقى مهمشة.
فعبر المقابلات التي أجريناها مع أصوات سودانية من رواد فنّي الجاز والزنق في هذه الحلقة وسردنا لقصصهم، نناقش التفرقة الثقافية والوصمة الاجتماعية التي تفرضها النخب المهيمنة على الموسيقى البديلة، ونوضح أنه كيف برغم هذه الظروف تحولت موسيقى الجاز الزنق والراب إلى موسيقى شائعة في السودان من خلال المنصات البديلة، مثل الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.
من خلال هذا البودكاست ندعو الشابات والشباب للمشاركة في توثيق الموسيقى البديلة ودعمها من خلال الوسائل الرسمية وغير الرسمية.
عمل على إنتاج الحلقة كل من:
الباحثين: لينة شبيكة، المزن محمد الحسن، مي أبو صالح، والرصة.
تقديم وإنتاج: المزن محمد الحسن ومحمد عبد العزيز.
تحرير: المزن محمد الحسن، فريق تحرير الرصة، SB249 من راكوبة راب، وهاشدوك.
موسيقى: الزين ستوديو.
ميكساج: طارق سليمان.
إدارة: زينب عثمان.
معدات ومساعدة تقنية: المصطبة TV.
تم التسجيل بأستوديو Rift Digital Lab.
الإحتفال
هل تعلم أنه يمكنك محاربة الشدائد بالسعادة؟ الاحتفال بالحياة ووجودنا هو وسيلة للاحتفال ببقائنا كل يوم.
البيت السوداني الذي شيدته الصوفية
البيت السوداني الذي شيدته الصوفية
لقرون مضت عاش هذا البلد بوصفه خليطا من الأجناس، تشغله روح البداوة بكل ما تقتضيه البداوة من عصبية والتحام. كان ذلك حتى قبل أن يأخذ اسمه الخلدوني: السودان في مقابل البيضان.
تخللت ملامحه العامة روح التدين المسيحي، لكن هذا الأمر تغير تدريجيا لصالح ديانة أخرى، هي الإسلام الذي غزا أرواح الناس وفاض إلى مجالهم العمومي الكبير.
في المجال العمومي البصري، على سبيل المثال، تشكل ساحة المولد (ميدان المولد) ملمحا من ملامح المدن السودانية الحديثة، خاصة الكبرى منها، وهو مكان مقترح بواسطة الصوفية. وعلى سبيل المثال، لا تكتمل قراءة ديوان الأدب العربي في السودان دون المرور بهذا المكان الاحتفالي المتسامح المقدس:
"فهذا اليوم ميدان التصابي
به تحلو الصبابة للشجي
كأن به وجوه الناس بشرا رياض جادها صوب الولي."
(عبدالله عبد الرحمن الضرير)
إلى الوقت الراهن يؤكد ميدان المولد المشيد برؤية الصوفية على أنه من أكثر الأماكن تحررا وسماحة في الثقافة السودانية. وهو على المستوى المعماري يعد مكانا مفتوحا يشيد كيفما اتفق بخيام القماش المتنوعة.
بنهايات القرن الثالث عشر الميلادي وبداية القرن الرابع عشر دخل الدين الإسلامي إلى هذا البلد وكفت ممكلة المقرة عن اعتناق الديانة المسيحية، وتحولت، بالمقابل، إلى إمارات صغيرة ذات سمات عربية. وبحدود بدايات القرن السادس عشر تخلفت مملكة علوة المسيحية أيضا عن كونها مسيحية؛ وبذا استقرت الحدود الجنوبية للإسلام على طول الخط ١٣ درجة شمالا.
خلال ثلاثة قرون لاحقة، تمت السيطرة للإسلام، وكان هذا هو الوقت الذي أسست فيه العائلات الدينية الكبيرة نفسها، وانتشرت سمات هذا الدين الجديد في المجال العمومي للبلاد، وأصبحت زوايا الطرق الصوفية نواة لحضارة إسلامية بطريقة ما، كما ذكر المبشِّر الإنجليزي سبنسر تريمنغهام في كتاب مهم عن (تاريخ الإسلام في السودان). وفي الواقع، ما ميز تديُّن السودانيين على الدوام هو طابعه التصوفي، ويغلب عليه، بشكل أكثر دقة، مزاجه الحجازي والمغاربي.
بمرور الوقت، ترسخت في الوجدان مبادئ (أممية صوفية) جعلت من بغداد العراق مركزا لـ (القوم)، ومن الحجاز مركزاً لـ (الكون). وعلى هذا الأساس الجديد تشذبت القبلية الأولى، وأضحت الطريقة الصوفية قاسما مشتركا وعقدا اجتماعيا متينا.
المتتبع لخريطة التصوف في السودان يجد أن الطريقة القادرية دخلت إلى السودان عن طريق الشيخ، تاج الدين البهاري، الذي زار سلطنة سنار في عام ١٥٧٧م. أما الشيخ أحمد البشير الطيب (متوفي ١٨٢٣م) فقد أدخل الطريقة السمانية لتكون إلى جانب الطريقة القادرية والشاذلية.
انتشرت الطريقة السمانية في أواخر العهد التركي، وغدت طريقة جماهيرية واسعة الانتشار، ومن رحمها خرجت الثورة المهدية. في السياق نفسه وفد إلى السودان السيد محمد عثمان الميرغني الكبير، إذ أرسله أستاذه، أحمد بن إدريس في العام ١٨١٨ إلى السودان، فأسس الطريقة الختمية، وصارت طريقة كبيرة ذات تنظيم مركزي.
استقطبت الطريقة الميرغنية غالبية عظمى من أهل الشمال والشرق وكردفان، ولها امتدادات أخرى عميقة في دولة إرتريا الحالية ومصر وشبه الجزيرة العربية.
لم تحظ الطريقة القادرية بمركز واحد، وأنشأت أفرعا عديدة في أنحاء القطر، كان لها، بالمقابل، تأثيرها الواضح في الحياة الاجتماعية. أشهر فروعها (فرع العركيين) بحواضرهم العديدة في الجزيرة، و(فرع الكباشي) بشمال الخرطوم، لمؤسسه الشيخ إبراهيم الكباشي (متوفي ١٨٧٠)، وهو عركي النسب، عاصرَ الشيخ أحمد الجعلي مؤسس (فرع كدباس)، والشيخ العبيد ود بدر (متوفي ١٨٨٤) مؤسس (فرع البادراب) الذي تمدد في منطقة البطانة وأواسط السودان.
الطريقة التجانية، وهي منبثقة عن الطريقة الشاذلية والخلوتية، أدخلها إلى السودان الشيخ محمد الشنقيطي في العام ١٨٤٧م. اشتهر مركزها الأول في خلاوي (الغُبُش) إلى الغرب من مدينة بربر بولاية نهر النيل. وكانت هي الطريقة الرئيسة في سلطنة الفور. وانبثقت عن الطريقة الختمية الطريقة الإسماعيلية التي أسسها الشيخ إسماعل الولي (متوفي ١٨٦٣)، وكذلك أنتجت الطريقة الشاذلية الطريقة المجذوبية. وكذلك ذاع صيت الطريقة البرهانية في الخرطوم ومصر وألمانيا وبين مسلمي أوروبا.
هذه الطرق، التي تكاد تغطي كافة أنحاء السودان، تهيأت تاريخياً للاندغام فى القبائل من خلال اعتداد مريديها بولائهم الروحي لآل البيت.. ورويداً رويداً تلاشت الفوارق، فلا تكاد تميِّز بين ما هو قبلي وما هو طرقي روحي.
كان التصوف في البدء تصوفا عفويا، وكان بمثابة عقد اجتماعي مشترك بين الدولة والمجتمع. على سبيل المثال، كانت سلطنة سنار (١٥٠٤- ١٩٢١)، حقبة طويلة من التصوف العفوي واسع الانتشار، وقد أرخ له الشيخ محمد ود ضيف الله في كتاب مشهور هو (طبقات ود ضيف الله). لكن مع هذا السكون البادئ في مزاج المتصوفة السودانيين إلا أن الإمام محمد أحمد المهدي، على سبيل المثال، تمكن من تثوير الصوفية وأنتج منها دولة استمرت لمدة 13 سنة (١٨٨٥- ١٨٩٨).
بالعودة إلى الفضاء العمومي فوق خط ١٣ درجة شمالا. يرتاد الناس ساحة المولد لمدة ١٢ يوما في كل عام هجري، ضاجين بالطبول والتهاليل والأزياء ذات الألوان. وبذا، تعد ساحة المولد ساحة لاختبار التنوع في كل شيء: الناس وأنواعهم، والألوان والأصوات والأضواء والآراء والأفكار. إنها ساحة لشرعنة وجود الجميع في الفضاءات العامة والكل مشارك في صناعة هذا الفضاء، لأنه يصنع معنى حياتهم في اللحظة التي هم فيها. والقارئ لكتاب (المسيد) للطيب محمد الطيب يلاحظ فضاء عموميا آخر إلى جانب ميدان المولد، هو (المسيد)، ويقف أيضا على تأثير هذا المكان بوصفه مؤسسة "ذات قدرة باهرة على إزالة الحواجز العرقية والقبلية والجهوية".
صورة الغلاف © ساري عمر، احتفالات الصوفية بالمولد النبوي في مسجد «ميدان»الخليفة. أم درمان.
لقرون مضت عاش هذا البلد بوصفه خليطا من الأجناس، تشغله روح البداوة بكل ما تقتضيه البداوة من عصبية والتحام. كان ذلك حتى قبل أن يأخذ اسمه الخلدوني: السودان في مقابل البيضان.
تخللت ملامحه العامة روح التدين المسيحي، لكن هذا الأمر تغير تدريجيا لصالح ديانة أخرى، هي الإسلام الذي غزا أرواح الناس وفاض إلى مجالهم العمومي الكبير.
في المجال العمومي البصري، على سبيل المثال، تشكل ساحة المولد (ميدان المولد) ملمحا من ملامح المدن السودانية الحديثة، خاصة الكبرى منها، وهو مكان مقترح بواسطة الصوفية. وعلى سبيل المثال، لا تكتمل قراءة ديوان الأدب العربي في السودان دون المرور بهذا المكان الاحتفالي المتسامح المقدس:
"فهذا اليوم ميدان التصابي
به تحلو الصبابة للشجي
كأن به وجوه الناس بشرا رياض جادها صوب الولي."
(عبدالله عبد الرحمن الضرير)
إلى الوقت الراهن يؤكد ميدان المولد المشيد برؤية الصوفية على أنه من أكثر الأماكن تحررا وسماحة في الثقافة السودانية. وهو على المستوى المعماري يعد مكانا مفتوحا يشيد كيفما اتفق بخيام القماش المتنوعة.
بنهايات القرن الثالث عشر الميلادي وبداية القرن الرابع عشر دخل الدين الإسلامي إلى هذا البلد وكفت ممكلة المقرة عن اعتناق الديانة المسيحية، وتحولت، بالمقابل، إلى إمارات صغيرة ذات سمات عربية. وبحدود بدايات القرن السادس عشر تخلفت مملكة علوة المسيحية أيضا عن كونها مسيحية؛ وبذا استقرت الحدود الجنوبية للإسلام على طول الخط ١٣ درجة شمالا.
خلال ثلاثة قرون لاحقة، تمت السيطرة للإسلام، وكان هذا هو الوقت الذي أسست فيه العائلات الدينية الكبيرة نفسها، وانتشرت سمات هذا الدين الجديد في المجال العمومي للبلاد، وأصبحت زوايا الطرق الصوفية نواة لحضارة إسلامية بطريقة ما، كما ذكر المبشِّر الإنجليزي سبنسر تريمنغهام في كتاب مهم عن (تاريخ الإسلام في السودان). وفي الواقع، ما ميز تديُّن السودانيين على الدوام هو طابعه التصوفي، ويغلب عليه، بشكل أكثر دقة، مزاجه الحجازي والمغاربي.
بمرور الوقت، ترسخت في الوجدان مبادئ (أممية صوفية) جعلت من بغداد العراق مركزا لـ (القوم)، ومن الحجاز مركزاً لـ (الكون). وعلى هذا الأساس الجديد تشذبت القبلية الأولى، وأضحت الطريقة الصوفية قاسما مشتركا وعقدا اجتماعيا متينا.
المتتبع لخريطة التصوف في السودان يجد أن الطريقة القادرية دخلت إلى السودان عن طريق الشيخ، تاج الدين البهاري، الذي زار سلطنة سنار في عام ١٥٧٧م. أما الشيخ أحمد البشير الطيب (متوفي ١٨٢٣م) فقد أدخل الطريقة السمانية لتكون إلى جانب الطريقة القادرية والشاذلية.
انتشرت الطريقة السمانية في أواخر العهد التركي، وغدت طريقة جماهيرية واسعة الانتشار، ومن رحمها خرجت الثورة المهدية. في السياق نفسه وفد إلى السودان السيد محمد عثمان الميرغني الكبير، إذ أرسله أستاذه، أحمد بن إدريس في العام ١٨١٨ إلى السودان، فأسس الطريقة الختمية، وصارت طريقة كبيرة ذات تنظيم مركزي.
استقطبت الطريقة الميرغنية غالبية عظمى من أهل الشمال والشرق وكردفان، ولها امتدادات أخرى عميقة في دولة إرتريا الحالية ومصر وشبه الجزيرة العربية.
لم تحظ الطريقة القادرية بمركز واحد، وأنشأت أفرعا عديدة في أنحاء القطر، كان لها، بالمقابل، تأثيرها الواضح في الحياة الاجتماعية. أشهر فروعها (فرع العركيين) بحواضرهم العديدة في الجزيرة، و(فرع الكباشي) بشمال الخرطوم، لمؤسسه الشيخ إبراهيم الكباشي (متوفي ١٨٧٠)، وهو عركي النسب، عاصرَ الشيخ أحمد الجعلي مؤسس (فرع كدباس)، والشيخ العبيد ود بدر (متوفي ١٨٨٤) مؤسس (فرع البادراب) الذي تمدد في منطقة البطانة وأواسط السودان.
الطريقة التجانية، وهي منبثقة عن الطريقة الشاذلية والخلوتية، أدخلها إلى السودان الشيخ محمد الشنقيطي في العام ١٨٤٧م. اشتهر مركزها الأول في خلاوي (الغُبُش) إلى الغرب من مدينة بربر بولاية نهر النيل. وكانت هي الطريقة الرئيسة في سلطنة الفور. وانبثقت عن الطريقة الختمية الطريقة الإسماعيلية التي أسسها الشيخ إسماعل الولي (متوفي ١٨٦٣)، وكذلك أنتجت الطريقة الشاذلية الطريقة المجذوبية. وكذلك ذاع صيت الطريقة البرهانية في الخرطوم ومصر وألمانيا وبين مسلمي أوروبا.
هذه الطرق، التي تكاد تغطي كافة أنحاء السودان، تهيأت تاريخياً للاندغام فى القبائل من خلال اعتداد مريديها بولائهم الروحي لآل البيت.. ورويداً رويداً تلاشت الفوارق، فلا تكاد تميِّز بين ما هو قبلي وما هو طرقي روحي.
كان التصوف في البدء تصوفا عفويا، وكان بمثابة عقد اجتماعي مشترك بين الدولة والمجتمع. على سبيل المثال، كانت سلطنة سنار (١٥٠٤- ١٩٢١)، حقبة طويلة من التصوف العفوي واسع الانتشار، وقد أرخ له الشيخ محمد ود ضيف الله في كتاب مشهور هو (طبقات ود ضيف الله). لكن مع هذا السكون البادئ في مزاج المتصوفة السودانيين إلا أن الإمام محمد أحمد المهدي، على سبيل المثال، تمكن من تثوير الصوفية وأنتج منها دولة استمرت لمدة 13 سنة (١٨٨٥- ١٨٩٨).
بالعودة إلى الفضاء العمومي فوق خط ١٣ درجة شمالا. يرتاد الناس ساحة المولد لمدة ١٢ يوما في كل عام هجري، ضاجين بالطبول والتهاليل والأزياء ذات الألوان. وبذا، تعد ساحة المولد ساحة لاختبار التنوع في كل شيء: الناس وأنواعهم، والألوان والأصوات والأضواء والآراء والأفكار. إنها ساحة لشرعنة وجود الجميع في الفضاءات العامة والكل مشارك في صناعة هذا الفضاء، لأنه يصنع معنى حياتهم في اللحظة التي هم فيها. والقارئ لكتاب (المسيد) للطيب محمد الطيب يلاحظ فضاء عموميا آخر إلى جانب ميدان المولد، هو (المسيد)، ويقف أيضا على تأثير هذا المكان بوصفه مؤسسة "ذات قدرة باهرة على إزالة الحواجز العرقية والقبلية والجهوية".
صورة الغلاف © ساري عمر، احتفالات الصوفية بالمولد النبوي في مسجد «ميدان»الخليفة. أم درمان.
لقرون مضت عاش هذا البلد بوصفه خليطا من الأجناس، تشغله روح البداوة بكل ما تقتضيه البداوة من عصبية والتحام. كان ذلك حتى قبل أن يأخذ اسمه الخلدوني: السودان في مقابل البيضان.
تخللت ملامحه العامة روح التدين المسيحي، لكن هذا الأمر تغير تدريجيا لصالح ديانة أخرى، هي الإسلام الذي غزا أرواح الناس وفاض إلى مجالهم العمومي الكبير.
في المجال العمومي البصري، على سبيل المثال، تشكل ساحة المولد (ميدان المولد) ملمحا من ملامح المدن السودانية الحديثة، خاصة الكبرى منها، وهو مكان مقترح بواسطة الصوفية. وعلى سبيل المثال، لا تكتمل قراءة ديوان الأدب العربي في السودان دون المرور بهذا المكان الاحتفالي المتسامح المقدس:
"فهذا اليوم ميدان التصابي
به تحلو الصبابة للشجي
كأن به وجوه الناس بشرا رياض جادها صوب الولي."
(عبدالله عبد الرحمن الضرير)
إلى الوقت الراهن يؤكد ميدان المولد المشيد برؤية الصوفية على أنه من أكثر الأماكن تحررا وسماحة في الثقافة السودانية. وهو على المستوى المعماري يعد مكانا مفتوحا يشيد كيفما اتفق بخيام القماش المتنوعة.
بنهايات القرن الثالث عشر الميلادي وبداية القرن الرابع عشر دخل الدين الإسلامي إلى هذا البلد وكفت ممكلة المقرة عن اعتناق الديانة المسيحية، وتحولت، بالمقابل، إلى إمارات صغيرة ذات سمات عربية. وبحدود بدايات القرن السادس عشر تخلفت مملكة علوة المسيحية أيضا عن كونها مسيحية؛ وبذا استقرت الحدود الجنوبية للإسلام على طول الخط ١٣ درجة شمالا.
خلال ثلاثة قرون لاحقة، تمت السيطرة للإسلام، وكان هذا هو الوقت الذي أسست فيه العائلات الدينية الكبيرة نفسها، وانتشرت سمات هذا الدين الجديد في المجال العمومي للبلاد، وأصبحت زوايا الطرق الصوفية نواة لحضارة إسلامية بطريقة ما، كما ذكر المبشِّر الإنجليزي سبنسر تريمنغهام في كتاب مهم عن (تاريخ الإسلام في السودان). وفي الواقع، ما ميز تديُّن السودانيين على الدوام هو طابعه التصوفي، ويغلب عليه، بشكل أكثر دقة، مزاجه الحجازي والمغاربي.
بمرور الوقت، ترسخت في الوجدان مبادئ (أممية صوفية) جعلت من بغداد العراق مركزا لـ (القوم)، ومن الحجاز مركزاً لـ (الكون). وعلى هذا الأساس الجديد تشذبت القبلية الأولى، وأضحت الطريقة الصوفية قاسما مشتركا وعقدا اجتماعيا متينا.
المتتبع لخريطة التصوف في السودان يجد أن الطريقة القادرية دخلت إلى السودان عن طريق الشيخ، تاج الدين البهاري، الذي زار سلطنة سنار في عام ١٥٧٧م. أما الشيخ أحمد البشير الطيب (متوفي ١٨٢٣م) فقد أدخل الطريقة السمانية لتكون إلى جانب الطريقة القادرية والشاذلية.
انتشرت الطريقة السمانية في أواخر العهد التركي، وغدت طريقة جماهيرية واسعة الانتشار، ومن رحمها خرجت الثورة المهدية. في السياق نفسه وفد إلى السودان السيد محمد عثمان الميرغني الكبير، إذ أرسله أستاذه، أحمد بن إدريس في العام ١٨١٨ إلى السودان، فأسس الطريقة الختمية، وصارت طريقة كبيرة ذات تنظيم مركزي.
استقطبت الطريقة الميرغنية غالبية عظمى من أهل الشمال والشرق وكردفان، ولها امتدادات أخرى عميقة في دولة إرتريا الحالية ومصر وشبه الجزيرة العربية.
لم تحظ الطريقة القادرية بمركز واحد، وأنشأت أفرعا عديدة في أنحاء القطر، كان لها، بالمقابل، تأثيرها الواضح في الحياة الاجتماعية. أشهر فروعها (فرع العركيين) بحواضرهم العديدة في الجزيرة، و(فرع الكباشي) بشمال الخرطوم، لمؤسسه الشيخ إبراهيم الكباشي (متوفي ١٨٧٠)، وهو عركي النسب، عاصرَ الشيخ أحمد الجعلي مؤسس (فرع كدباس)، والشيخ العبيد ود بدر (متوفي ١٨٨٤) مؤسس (فرع البادراب) الذي تمدد في منطقة البطانة وأواسط السودان.
الطريقة التجانية، وهي منبثقة عن الطريقة الشاذلية والخلوتية، أدخلها إلى السودان الشيخ محمد الشنقيطي في العام ١٨٤٧م. اشتهر مركزها الأول في خلاوي (الغُبُش) إلى الغرب من مدينة بربر بولاية نهر النيل. وكانت هي الطريقة الرئيسة في سلطنة الفور. وانبثقت عن الطريقة الختمية الطريقة الإسماعيلية التي أسسها الشيخ إسماعل الولي (متوفي ١٨٦٣)، وكذلك أنتجت الطريقة الشاذلية الطريقة المجذوبية. وكذلك ذاع صيت الطريقة البرهانية في الخرطوم ومصر وألمانيا وبين مسلمي أوروبا.
هذه الطرق، التي تكاد تغطي كافة أنحاء السودان، تهيأت تاريخياً للاندغام فى القبائل من خلال اعتداد مريديها بولائهم الروحي لآل البيت.. ورويداً رويداً تلاشت الفوارق، فلا تكاد تميِّز بين ما هو قبلي وما هو طرقي روحي.
كان التصوف في البدء تصوفا عفويا، وكان بمثابة عقد اجتماعي مشترك بين الدولة والمجتمع. على سبيل المثال، كانت سلطنة سنار (١٥٠٤- ١٩٢١)، حقبة طويلة من التصوف العفوي واسع الانتشار، وقد أرخ له الشيخ محمد ود ضيف الله في كتاب مشهور هو (طبقات ود ضيف الله). لكن مع هذا السكون البادئ في مزاج المتصوفة السودانيين إلا أن الإمام محمد أحمد المهدي، على سبيل المثال، تمكن من تثوير الصوفية وأنتج منها دولة استمرت لمدة 13 سنة (١٨٨٥- ١٨٩٨).
بالعودة إلى الفضاء العمومي فوق خط ١٣ درجة شمالا. يرتاد الناس ساحة المولد لمدة ١٢ يوما في كل عام هجري، ضاجين بالطبول والتهاليل والأزياء ذات الألوان. وبذا، تعد ساحة المولد ساحة لاختبار التنوع في كل شيء: الناس وأنواعهم، والألوان والأصوات والأضواء والآراء والأفكار. إنها ساحة لشرعنة وجود الجميع في الفضاءات العامة والكل مشارك في صناعة هذا الفضاء، لأنه يصنع معنى حياتهم في اللحظة التي هم فيها. والقارئ لكتاب (المسيد) للطيب محمد الطيب يلاحظ فضاء عموميا آخر إلى جانب ميدان المولد، هو (المسيد)، ويقف أيضا على تأثير هذا المكان بوصفه مؤسسة "ذات قدرة باهرة على إزالة الحواجز العرقية والقبلية والجهوية".
صورة الغلاف © ساري عمر، احتفالات الصوفية بالمولد النبوي في مسجد «ميدان»الخليفة. أم درمان.
قصة عن الصمود
قصة عن الصمود
"ماذا يعني لي الصمود؟" رحلة كفاح صانع أفلام سوداني شاب
الصمود، الهوية والذاكرة الثقافية هي قضايا رئيسية تتكرر في أعمال صانع الأفلام السوداني الشاب إبراهيم أحمد المشهور باسم سنوبي، وذلك لأنها تُشكِّل جزاءً من سِمات رِحلته الشخصية والتي يبحث عنها ويبرزها عند اختياره للقصص التي يرويها.
بدأت علاقة سنوبي بعالم صناعة الأفلام عندما مثَّل دوراًً في عمل صغير وهو طالب جامعي بالخرطوم. كانت تلك التجربة في عام 2013 بمثابة الحافز الذي أحسَّ من خلاله برغبته في مزيد من الانخراط في عالم صناعة الأفلام، بل حتى إنتاج أفلامه الخاصة. وبالاتحاد مع بعض الأصدقاء الذين كانوا يشاركونه رؤيته أطلقوا شركتهم الإنتاجية الخاصة والتي أسموها In Deep Visions
بدأت الشركة بإمكانيات بسيطة في إنتاج أعمال قصيرة مثل فلم الخيال مارينا وفلمين من أفلام الرعب القصيرة سميت “اللعنة”1 و“اللعنة2”. وبجانب شركته استمر سنوبي في التعاون مع صناع أفلام آخرين في أعمالهم كممثل أو مصور، ومن أمثلة هذا التعاون تصويره لفيلم "خرطوم أوف سايت" من إخراج مروى زين، وهو عمل يُسلّط الضوء على كفاح فريق كرة القدم النسائي في السودان في وجه العقبات الاجتماعية والسياسية لتحقيق حلمهم في احتراف كرة القدم.
كانت الثورة السودانية في ديسمبر ٢٠١٨ لحظة تاريخية ألهمت الشباب المبدعين لما كانت تحملها من وعود بالحرية والتغيير، وكان سنوبي وشركته ضمن هؤلاء المُلهَمين؛ حيث شارك في تصوير فيلم “السودان تذكرونا” للمخرجة هند المدب والذي خلَّد أفراح وآمال السودانيين إبان ثورتهم.
وفي أعقاب تلاشي آمالهم في نجاح الثورة، أنتجت الشركة فلم “رحلة إلى كينيا” والذي وثّق لرحلة فريق سوداني للجيوجيتسو "حيث سافر الفريق إلى كينيا للمشاركة في بطولة بحافلة متهالكة وبميزانية محدودة متحدّين بذلك كل الصعاب.
في أبريل ٢٠٢٣ اندلعت الحرب في السودان لتُشكِّل نقطة فاصلة في حياة ملايين السودانيين لما صاحبها من عنف ودمار، ونتيجة لذلك أُرغم سنوبي والعديد من المبدعين على المغادرة، حيث استقرَّ أغلبهم في دول الجوار. سنوبي يقيم الآن في كينيا، حيث يعمل على مجموعة من المشاريع من بينها مشاركته في إنتاج فيلم وثائقي ‘الخرطوم‘ ووهو إنتاج مشترك بين native film voice وSudan Film Factory
وقد بدء تصويره قبل الحرب، ويحكي عن حياة خمسة أشخاص والتحديات التي يواجهونها في الخرطوم، وبسبب اندلاع الحرب اضطر الفريق لتعديل القصة وإضافة مؤثرات سينمائية إبداعية لإكمال الإنتاج.
وبحسب سنوبي، فإن من ثمار الصمود والمقاومة تحقيق الأحلام وإكمال الأهداف، ولكن بينما لدى معظم الناس الكثير من الأمنيات والأهداف، فإن تحويلها إلى واقع لا يتأتى لأغلبهم، وذلك إما لعدم معرفتهم في كيفية المضي قدماً أو لافتقارهم للمعرفة والقدوة المرشدة. ويرى سنوبي أن وجود الخطة والقدوة الملهمة من المجتمع المحيط هو مفتاح الوصول للأهداف ويقول : "احتاج لمايكل جوردن من صميم مجتمعنا ليلهمني الإيمان بنفسي أكثر".
و أشار سنوبي لأنه بينما يوجد العديد من قصص النجاح الملهمة للسودانيين على شبكات التواصل مثل فيسبوك، فإنه لا يتم التوثيق والتعريف بمثل هذه القصص.ووفقاً لصانع الأفلام الشاب، فإن الإرادة لإنجاز الأهداف ليست مرتبطة بالعمر أو الجنس أو أيّ تصنيف آخر، ولكنه يؤكد على أهمية أشياء مثل التعاون مع الآخرين وزمن الإنجاز بالاستمرارية والثبات. وأضاف أنه في بعض الأحيان يكون مجرد المقاومة للبقاء على قيد الحياة ليومٍ آخر هو عين الصمود.
ورداً على سؤال ما إذا كان يرى أن هنالك شكل سوداني خاص للصمود والعزيمة، يقول سنوبي إن هذه سمات إنسانية مشتركة وقد يتفرّد السودانيون في بعض التفاصيل الصغيرة، وضرب مثلاً بالاحتجاجات الأخيرة في كينيا وكيفية تنظيمها مقارنة بكيفية تعبئة الشباب أثناء الثورة.
“راجعين تاني” هي أحدث إنتاجات شركة In Deep Vision وهي أغنية تعكس مشاعر وعزيمة السودانيين الذين اضطروا للفرار من الحرب وشوقهم العميق للعودة. يَصِف سنوبي لحن وكلمات الأغنية بأنها عاطفية وملهمة وتختلف من أغنيات أخرى أُنتجت خلال الحرب بأنها تحمل رسالة أمل لأولائك الذين بقوا في السودان، لتقول لهم بأننا راجعون وبأننا لم ننسَكم.
ربما تكون أفضل طريقة لفهم تأقلم سنوبي مع الواقع وصموده للكفاح هو النظر لما حققه هو ورفقائه في In Deep Visions منذ أن أطلقوا شركتهم قبل عشر سنوات، وكيف أنهم من خلال التصميم وقوة الإرادة استطاعوا التغلب على العقبات والنكسات التي يواجهها المبدعون يومياً في السودان، وأحياناً يصعب تصديقها وآخرها ما كان في الحرب من عنف وقمع. فازت أعمالهم بعدة جوائز في مهرجانات محلية ودولية من ضمنها مهرجان ترهاقا والمهرجانات الأوربية، مما جعل اسم سنوبي مألوفاً في السودان. وقد زادت هذه الثقة التي وضعها الجمهور في صانع الأفلام الشاب من ثقته بنفسه كثيراً. وليس مستغرباً الآن أن فلم “الخرطوم” الذي يشارك في إخراجه سيعرض في مطلع عام ٢٠٢٥ على شاشات مهرجان دولي مرموق ومعروف مثل مهرجان سنداس للأفلام . سنوبي فخور للغاية بهذا الإنجاز، وأشار بأنه لم يكن وليد حظّ أو صدفة بل هو ثمرة للإبداع والعزيمة والعمل الدؤوب.
عن الأغنية:
أغنية راجعين تاني من إنتاج شركة إن ديب فيجون فيلمز من أداء نايل ، محمد ادم ابو ، بيحة ، وشمسو من إنتاج موسيقي نايل وكلمات الشاعر محمود الجيلي. تم إصدار الأغنية في العاشر من أكتوبر ٢٠٢٤م وما يوافق اليوم العالمي للصحة النفسية.
يمكنك الاستماع إلى أغنية راجعين تاني الرسمية على ساوند كلاود
برعاية تاركو أفييشن، كاشي، 106.6 PRO FM
تصميم الملصق: نهال كمال
"ماذا يعني لي الصمود؟" رحلة كفاح صانع أفلام سوداني شاب
الصمود، الهوية والذاكرة الثقافية هي قضايا رئيسية تتكرر في أعمال صانع الأفلام السوداني الشاب إبراهيم أحمد المشهور باسم سنوبي، وذلك لأنها تُشكِّل جزاءً من سِمات رِحلته الشخصية والتي يبحث عنها ويبرزها عند اختياره للقصص التي يرويها.
بدأت علاقة سنوبي بعالم صناعة الأفلام عندما مثَّل دوراًً في عمل صغير وهو طالب جامعي بالخرطوم. كانت تلك التجربة في عام 2013 بمثابة الحافز الذي أحسَّ من خلاله برغبته في مزيد من الانخراط في عالم صناعة الأفلام، بل حتى إنتاج أفلامه الخاصة. وبالاتحاد مع بعض الأصدقاء الذين كانوا يشاركونه رؤيته أطلقوا شركتهم الإنتاجية الخاصة والتي أسموها In Deep Visions
بدأت الشركة بإمكانيات بسيطة في إنتاج أعمال قصيرة مثل فلم الخيال مارينا وفلمين من أفلام الرعب القصيرة سميت “اللعنة”1 و“اللعنة2”. وبجانب شركته استمر سنوبي في التعاون مع صناع أفلام آخرين في أعمالهم كممثل أو مصور، ومن أمثلة هذا التعاون تصويره لفيلم "خرطوم أوف سايت" من إخراج مروى زين، وهو عمل يُسلّط الضوء على كفاح فريق كرة القدم النسائي في السودان في وجه العقبات الاجتماعية والسياسية لتحقيق حلمهم في احتراف كرة القدم.
كانت الثورة السودانية في ديسمبر ٢٠١٨ لحظة تاريخية ألهمت الشباب المبدعين لما كانت تحملها من وعود بالحرية والتغيير، وكان سنوبي وشركته ضمن هؤلاء المُلهَمين؛ حيث شارك في تصوير فيلم “السودان تذكرونا” للمخرجة هند المدب والذي خلَّد أفراح وآمال السودانيين إبان ثورتهم.
وفي أعقاب تلاشي آمالهم في نجاح الثورة، أنتجت الشركة فلم “رحلة إلى كينيا” والذي وثّق لرحلة فريق سوداني للجيوجيتسو "حيث سافر الفريق إلى كينيا للمشاركة في بطولة بحافلة متهالكة وبميزانية محدودة متحدّين بذلك كل الصعاب.
في أبريل ٢٠٢٣ اندلعت الحرب في السودان لتُشكِّل نقطة فاصلة في حياة ملايين السودانيين لما صاحبها من عنف ودمار، ونتيجة لذلك أُرغم سنوبي والعديد من المبدعين على المغادرة، حيث استقرَّ أغلبهم في دول الجوار. سنوبي يقيم الآن في كينيا، حيث يعمل على مجموعة من المشاريع من بينها مشاركته في إنتاج فيلم وثائقي ‘الخرطوم‘ ووهو إنتاج مشترك بين native film voice وSudan Film Factory
وقد بدء تصويره قبل الحرب، ويحكي عن حياة خمسة أشخاص والتحديات التي يواجهونها في الخرطوم، وبسبب اندلاع الحرب اضطر الفريق لتعديل القصة وإضافة مؤثرات سينمائية إبداعية لإكمال الإنتاج.
وبحسب سنوبي، فإن من ثمار الصمود والمقاومة تحقيق الأحلام وإكمال الأهداف، ولكن بينما لدى معظم الناس الكثير من الأمنيات والأهداف، فإن تحويلها إلى واقع لا يتأتى لأغلبهم، وذلك إما لعدم معرفتهم في كيفية المضي قدماً أو لافتقارهم للمعرفة والقدوة المرشدة. ويرى سنوبي أن وجود الخطة والقدوة الملهمة من المجتمع المحيط هو مفتاح الوصول للأهداف ويقول : "احتاج لمايكل جوردن من صميم مجتمعنا ليلهمني الإيمان بنفسي أكثر".
و أشار سنوبي لأنه بينما يوجد العديد من قصص النجاح الملهمة للسودانيين على شبكات التواصل مثل فيسبوك، فإنه لا يتم التوثيق والتعريف بمثل هذه القصص.ووفقاً لصانع الأفلام الشاب، فإن الإرادة لإنجاز الأهداف ليست مرتبطة بالعمر أو الجنس أو أيّ تصنيف آخر، ولكنه يؤكد على أهمية أشياء مثل التعاون مع الآخرين وزمن الإنجاز بالاستمرارية والثبات. وأضاف أنه في بعض الأحيان يكون مجرد المقاومة للبقاء على قيد الحياة ليومٍ آخر هو عين الصمود.
ورداً على سؤال ما إذا كان يرى أن هنالك شكل سوداني خاص للصمود والعزيمة، يقول سنوبي إن هذه سمات إنسانية مشتركة وقد يتفرّد السودانيون في بعض التفاصيل الصغيرة، وضرب مثلاً بالاحتجاجات الأخيرة في كينيا وكيفية تنظيمها مقارنة بكيفية تعبئة الشباب أثناء الثورة.
“راجعين تاني” هي أحدث إنتاجات شركة In Deep Vision وهي أغنية تعكس مشاعر وعزيمة السودانيين الذين اضطروا للفرار من الحرب وشوقهم العميق للعودة. يَصِف سنوبي لحن وكلمات الأغنية بأنها عاطفية وملهمة وتختلف من أغنيات أخرى أُنتجت خلال الحرب بأنها تحمل رسالة أمل لأولائك الذين بقوا في السودان، لتقول لهم بأننا راجعون وبأننا لم ننسَكم.
ربما تكون أفضل طريقة لفهم تأقلم سنوبي مع الواقع وصموده للكفاح هو النظر لما حققه هو ورفقائه في In Deep Visions منذ أن أطلقوا شركتهم قبل عشر سنوات، وكيف أنهم من خلال التصميم وقوة الإرادة استطاعوا التغلب على العقبات والنكسات التي يواجهها المبدعون يومياً في السودان، وأحياناً يصعب تصديقها وآخرها ما كان في الحرب من عنف وقمع. فازت أعمالهم بعدة جوائز في مهرجانات محلية ودولية من ضمنها مهرجان ترهاقا والمهرجانات الأوربية، مما جعل اسم سنوبي مألوفاً في السودان. وقد زادت هذه الثقة التي وضعها الجمهور في صانع الأفلام الشاب من ثقته بنفسه كثيراً. وليس مستغرباً الآن أن فلم “الخرطوم” الذي يشارك في إخراجه سيعرض في مطلع عام ٢٠٢٥ على شاشات مهرجان دولي مرموق ومعروف مثل مهرجان سنداس للأفلام . سنوبي فخور للغاية بهذا الإنجاز، وأشار بأنه لم يكن وليد حظّ أو صدفة بل هو ثمرة للإبداع والعزيمة والعمل الدؤوب.
عن الأغنية:
أغنية راجعين تاني من إنتاج شركة إن ديب فيجون فيلمز من أداء نايل ، محمد ادم ابو ، بيحة ، وشمسو من إنتاج موسيقي نايل وكلمات الشاعر محمود الجيلي. تم إصدار الأغنية في العاشر من أكتوبر ٢٠٢٤م وما يوافق اليوم العالمي للصحة النفسية.
يمكنك الاستماع إلى أغنية راجعين تاني الرسمية على ساوند كلاود
برعاية تاركو أفييشن، كاشي، 106.6 PRO FM
تصميم الملصق: نهال كمال
"ماذا يعني لي الصمود؟" رحلة كفاح صانع أفلام سوداني شاب
الصمود، الهوية والذاكرة الثقافية هي قضايا رئيسية تتكرر في أعمال صانع الأفلام السوداني الشاب إبراهيم أحمد المشهور باسم سنوبي، وذلك لأنها تُشكِّل جزاءً من سِمات رِحلته الشخصية والتي يبحث عنها ويبرزها عند اختياره للقصص التي يرويها.
بدأت علاقة سنوبي بعالم صناعة الأفلام عندما مثَّل دوراًً في عمل صغير وهو طالب جامعي بالخرطوم. كانت تلك التجربة في عام 2013 بمثابة الحافز الذي أحسَّ من خلاله برغبته في مزيد من الانخراط في عالم صناعة الأفلام، بل حتى إنتاج أفلامه الخاصة. وبالاتحاد مع بعض الأصدقاء الذين كانوا يشاركونه رؤيته أطلقوا شركتهم الإنتاجية الخاصة والتي أسموها In Deep Visions
بدأت الشركة بإمكانيات بسيطة في إنتاج أعمال قصيرة مثل فلم الخيال مارينا وفلمين من أفلام الرعب القصيرة سميت “اللعنة”1 و“اللعنة2”. وبجانب شركته استمر سنوبي في التعاون مع صناع أفلام آخرين في أعمالهم كممثل أو مصور، ومن أمثلة هذا التعاون تصويره لفيلم "خرطوم أوف سايت" من إخراج مروى زين، وهو عمل يُسلّط الضوء على كفاح فريق كرة القدم النسائي في السودان في وجه العقبات الاجتماعية والسياسية لتحقيق حلمهم في احتراف كرة القدم.
كانت الثورة السودانية في ديسمبر ٢٠١٨ لحظة تاريخية ألهمت الشباب المبدعين لما كانت تحملها من وعود بالحرية والتغيير، وكان سنوبي وشركته ضمن هؤلاء المُلهَمين؛ حيث شارك في تصوير فيلم “السودان تذكرونا” للمخرجة هند المدب والذي خلَّد أفراح وآمال السودانيين إبان ثورتهم.
وفي أعقاب تلاشي آمالهم في نجاح الثورة، أنتجت الشركة فلم “رحلة إلى كينيا” والذي وثّق لرحلة فريق سوداني للجيوجيتسو "حيث سافر الفريق إلى كينيا للمشاركة في بطولة بحافلة متهالكة وبميزانية محدودة متحدّين بذلك كل الصعاب.
في أبريل ٢٠٢٣ اندلعت الحرب في السودان لتُشكِّل نقطة فاصلة في حياة ملايين السودانيين لما صاحبها من عنف ودمار، ونتيجة لذلك أُرغم سنوبي والعديد من المبدعين على المغادرة، حيث استقرَّ أغلبهم في دول الجوار. سنوبي يقيم الآن في كينيا، حيث يعمل على مجموعة من المشاريع من بينها مشاركته في إنتاج فيلم وثائقي ‘الخرطوم‘ ووهو إنتاج مشترك بين native film voice وSudan Film Factory
وقد بدء تصويره قبل الحرب، ويحكي عن حياة خمسة أشخاص والتحديات التي يواجهونها في الخرطوم، وبسبب اندلاع الحرب اضطر الفريق لتعديل القصة وإضافة مؤثرات سينمائية إبداعية لإكمال الإنتاج.
وبحسب سنوبي، فإن من ثمار الصمود والمقاومة تحقيق الأحلام وإكمال الأهداف، ولكن بينما لدى معظم الناس الكثير من الأمنيات والأهداف، فإن تحويلها إلى واقع لا يتأتى لأغلبهم، وذلك إما لعدم معرفتهم في كيفية المضي قدماً أو لافتقارهم للمعرفة والقدوة المرشدة. ويرى سنوبي أن وجود الخطة والقدوة الملهمة من المجتمع المحيط هو مفتاح الوصول للأهداف ويقول : "احتاج لمايكل جوردن من صميم مجتمعنا ليلهمني الإيمان بنفسي أكثر".
و أشار سنوبي لأنه بينما يوجد العديد من قصص النجاح الملهمة للسودانيين على شبكات التواصل مثل فيسبوك، فإنه لا يتم التوثيق والتعريف بمثل هذه القصص.ووفقاً لصانع الأفلام الشاب، فإن الإرادة لإنجاز الأهداف ليست مرتبطة بالعمر أو الجنس أو أيّ تصنيف آخر، ولكنه يؤكد على أهمية أشياء مثل التعاون مع الآخرين وزمن الإنجاز بالاستمرارية والثبات. وأضاف أنه في بعض الأحيان يكون مجرد المقاومة للبقاء على قيد الحياة ليومٍ آخر هو عين الصمود.
ورداً على سؤال ما إذا كان يرى أن هنالك شكل سوداني خاص للصمود والعزيمة، يقول سنوبي إن هذه سمات إنسانية مشتركة وقد يتفرّد السودانيون في بعض التفاصيل الصغيرة، وضرب مثلاً بالاحتجاجات الأخيرة في كينيا وكيفية تنظيمها مقارنة بكيفية تعبئة الشباب أثناء الثورة.
“راجعين تاني” هي أحدث إنتاجات شركة In Deep Vision وهي أغنية تعكس مشاعر وعزيمة السودانيين الذين اضطروا للفرار من الحرب وشوقهم العميق للعودة. يَصِف سنوبي لحن وكلمات الأغنية بأنها عاطفية وملهمة وتختلف من أغنيات أخرى أُنتجت خلال الحرب بأنها تحمل رسالة أمل لأولائك الذين بقوا في السودان، لتقول لهم بأننا راجعون وبأننا لم ننسَكم.
ربما تكون أفضل طريقة لفهم تأقلم سنوبي مع الواقع وصموده للكفاح هو النظر لما حققه هو ورفقائه في In Deep Visions منذ أن أطلقوا شركتهم قبل عشر سنوات، وكيف أنهم من خلال التصميم وقوة الإرادة استطاعوا التغلب على العقبات والنكسات التي يواجهها المبدعون يومياً في السودان، وأحياناً يصعب تصديقها وآخرها ما كان في الحرب من عنف وقمع. فازت أعمالهم بعدة جوائز في مهرجانات محلية ودولية من ضمنها مهرجان ترهاقا والمهرجانات الأوربية، مما جعل اسم سنوبي مألوفاً في السودان. وقد زادت هذه الثقة التي وضعها الجمهور في صانع الأفلام الشاب من ثقته بنفسه كثيراً. وليس مستغرباً الآن أن فلم “الخرطوم” الذي يشارك في إخراجه سيعرض في مطلع عام ٢٠٢٥ على شاشات مهرجان دولي مرموق ومعروف مثل مهرجان سنداس للأفلام . سنوبي فخور للغاية بهذا الإنجاز، وأشار بأنه لم يكن وليد حظّ أو صدفة بل هو ثمرة للإبداع والعزيمة والعمل الدؤوب.
عن الأغنية:
أغنية راجعين تاني من إنتاج شركة إن ديب فيجون فيلمز من أداء نايل ، محمد ادم ابو ، بيحة ، وشمسو من إنتاج موسيقي نايل وكلمات الشاعر محمود الجيلي. تم إصدار الأغنية في العاشر من أكتوبر ٢٠٢٤م وما يوافق اليوم العالمي للصحة النفسية.
يمكنك الاستماع إلى أغنية راجعين تاني الرسمية على ساوند كلاود
برعاية تاركو أفييشن، كاشي، 106.6 PRO FM
تصميم الملصق: نهال كمال
وقت اللعب في السروراب
وقت اللعب في السروراب
في الحيشان وفي زقاقات الحِلَّة وفوق المصاطب وتحت النيم: "شِليل وينو؟.. أكلو الدودو.. شِليل وين راح؟ .. أَكَلو التمساح".
عبارات أنشدناها أطفالًا أثناء البحث عن شِليل، وانتهى البحث بعثورنا على قطعة العظم أو الحجر "شِليل" الذي تمّ رميه. لعبة شِليل وغيرها من الألعاب ملأت أيامنا صغارًا، وتمثل جزءًا كبيرًا من نسيج ذكرياتنا كبارًا. تختلف الألعاب في السودان باختلاف المناطق واختلاف الموروث الثقافي الخاص بكل منطقة، وتتشابه في إسهامها في تعزيز الروابط الاجتماعية وتنمية المهارات البدنية والذهنية لدى الأطفال.
لا نحتاج إلى الكثير عند اللعب، فبعض الجوارب تكفي لصُنع كرة، وخرطوم المياه ممتاز للقفز، وطوبتين أو حذاء يكفي لتحديد المرمى، وبقايا الأقمشة التي نجدها في منازلنا تكفي لصنع دمى "بنات أم لعاب". ولا يقتصر اللعب على الصغار، فـ"الدافوري"، وهي لعبة كرة القدم الشارع، يلعبها الجميع ويقام لها دوري في الأحياء.
الجدير بالذكر أن هذه الألعاب المختلفة كانت أُنساً لنا في طفولتنا قبل ظهور ألعاب الفيديو والقنوات المخصصة للأطفال، ولم تَخْلُ الشوارع والميادين من لعب الأطفال وأصوات صراخهم تشجيعًا لأحدهم أو شجارًا على اشتباه "خرخرة".
وربما ما أعاد شعبيتها لبيوت الخرطوم والمدن المختلفة التي هجر الأطفال "حيشانها" منذ زمن واُستبدلت بالألعاب الإلكترونية، هو انقطاع الإنترنت المتكرر في السنوات الأخيرة، وأزمة الكهرباء التي امتدت قطوعاتها لساعات طويلة، وأخيرًا الحرب التي هجّرتهم من منازلهم وانتهى بهم المطاف، إما في منازل أجدادهم وأقربائهم في الأقاليم أو في دور الإيواء والمدارس أو في معسكرات النازحين في ربوع السودان وخارجه. فها نحن الآن نرى الأطفال يلعبون ألعابًا لعبناها صغارًا ولعبها آباؤنا وأجدادنا من قبلنا، وبذلك تكون الألعاب منفذًا للأطفال يروحون بها عن أنفسهم وفرصة لبناء علاقات وتكوين صداقات وإثراء قدرتهم على الصمود في وجه الحرب.
تجربة مازن الرشيد في السروراب
تقع السروراب في الريف الشمالي لمدينة أمدرمان والتي تأوي مئات الأسر النازحة والمتضررة منذ بداية الحرب في تكيّة السروراب، من خلال مطبخ مجتمعي ومركز رعاية صحية يخدم النازحين وأهالي السروراب. يحكي لنا مازن الرشيد الزين، مصور سوداني من السروراب، وهو أحد القائمين على التكيّة تجربته مع الأطفال والألعاب.
أشار مازن أن أولاد الحِلّة -وهم أطفال السكان المحليين في السروراب- كانوا يفضلون لعب الـ"دافوري" فيخرجون صباحًا إلى اللعب ويستمرون في لعبهم طوال اليوم حتى المغيب، وفي الجهة الأخرى يفضل الأطفال النازحون إلى السروراب لعب الطين وبناء البيوت من الكرتون والرسم ولعب البِلِّي وغيرها من الألعاب المختلفة. وهي نفس الألعاب التي لعبناها نحن ولعبها كبارنا منذ الأزل وما زال الأطفال يلعبونها الآن مع بعض التغييرات البسيطة، ولكن يظل أساس اللعبة كما هو. على سبيل المثال، في لعبة كَمْبَلَتْ، قام الأطفال بتبديل علب الصلصة بعبوات المياه المتوفرة لديهم.
قرر مازن تسليط الضوء على هذه الألعاب وجمع أولاد الحلة والنازحين سويًا في ألعاب تُنمِّي مواهبهم ومهاراتهم الإبداعية. بدأ ذلك بتنظيم مسابقة عربات البلاستيك لثمانية عشر طفلاً، ثم مسابقة بيوت الكرتون وبعدها أشكال طينية وكانت هذه فرصة لتعارف وتكوين صداقات بين أولاد الحلّة والنازحين. أُعجبت الأمهات تحديدًا بهذه النشاطات كونها ألعاب مفيدة يشغلون بها أوقات فراغهم، وتشارك الأمهات أحيانًا في المسابقات والألعاب مع أبنائهن.
وبعد التجاوب من الأطفال والأهالي، فكر في إعادة إحياء تقليد كان يقام سنويًا في السروراب وهي مسابقة القرية. وهي مسابقة يشارك فيها الكبار يترأسهم الجد وأبنائهم، يُكوّن فيها الآباء والأبناء فرقًا ليلعبوا ألعاب متنوعة ومتعددة ولكنها توقفت منذ زمن طويل. فأتت الفكرة أن يقام دوري للكرة وإقامة مسابقة القرية ما بين الشوطين. وتطويرها عن هيئتها الأصلية بإشراك الأمهات أيضًا، حيث كانت تقتصر مسابقة القرية وجمعات الشاي في المنطقة على الرجال فقط.
في جهة أخرى، تقوم الخالة سلوى، ذات السبعين عام، بصنع دمى "بنات أم لعاب" ببقايا الأقمشة والتياب القديمة، تبدأ بعملية "برم" القماش لعمل الجسم والرأس واليدين والرجلين ثم تختار القماش للفستان والتوب، ثم تقوم بوضع الخرز لتكون عينان للدمية أو رسمها بالقلم وتنتهي بصنع الشعر من القماش الأسود. بدأت الخالة سلوى بعمل هذه الدمى للفتيات الصغيرات في البيوت المجاورة لها، ثم أصبحت الفتيات الأخريات من النازحين وأهالي المنطقة يأتينها طلبًا لدمىً يلعبن بها.
تجربة السروراب هي مثال جيد لعرض طرق مختلفة لدعم الأطفال خلال الحرب والفترات العصيبة، فتقديم سبل لللعب والاستمتاع وممارسة طفولتهم هو مهم بأهمية تقديم أنواع الدعم الأخرى.
في الحيشان وفي زقاقات الحِلَّة وفوق المصاطب وتحت النيم: "شِليل وينو؟.. أكلو الدودو.. شِليل وين راح؟ .. أَكَلو التمساح".
عبارات أنشدناها أطفالًا أثناء البحث عن شِليل، وانتهى البحث بعثورنا على قطعة العظم أو الحجر "شِليل" الذي تمّ رميه. لعبة شِليل وغيرها من الألعاب ملأت أيامنا صغارًا، وتمثل جزءًا كبيرًا من نسيج ذكرياتنا كبارًا. تختلف الألعاب في السودان باختلاف المناطق واختلاف الموروث الثقافي الخاص بكل منطقة، وتتشابه في إسهامها في تعزيز الروابط الاجتماعية وتنمية المهارات البدنية والذهنية لدى الأطفال.
لا نحتاج إلى الكثير عند اللعب، فبعض الجوارب تكفي لصُنع كرة، وخرطوم المياه ممتاز للقفز، وطوبتين أو حذاء يكفي لتحديد المرمى، وبقايا الأقمشة التي نجدها في منازلنا تكفي لصنع دمى "بنات أم لعاب". ولا يقتصر اللعب على الصغار، فـ"الدافوري"، وهي لعبة كرة القدم الشارع، يلعبها الجميع ويقام لها دوري في الأحياء.
الجدير بالذكر أن هذه الألعاب المختلفة كانت أُنساً لنا في طفولتنا قبل ظهور ألعاب الفيديو والقنوات المخصصة للأطفال، ولم تَخْلُ الشوارع والميادين من لعب الأطفال وأصوات صراخهم تشجيعًا لأحدهم أو شجارًا على اشتباه "خرخرة".
وربما ما أعاد شعبيتها لبيوت الخرطوم والمدن المختلفة التي هجر الأطفال "حيشانها" منذ زمن واُستبدلت بالألعاب الإلكترونية، هو انقطاع الإنترنت المتكرر في السنوات الأخيرة، وأزمة الكهرباء التي امتدت قطوعاتها لساعات طويلة، وأخيرًا الحرب التي هجّرتهم من منازلهم وانتهى بهم المطاف، إما في منازل أجدادهم وأقربائهم في الأقاليم أو في دور الإيواء والمدارس أو في معسكرات النازحين في ربوع السودان وخارجه. فها نحن الآن نرى الأطفال يلعبون ألعابًا لعبناها صغارًا ولعبها آباؤنا وأجدادنا من قبلنا، وبذلك تكون الألعاب منفذًا للأطفال يروحون بها عن أنفسهم وفرصة لبناء علاقات وتكوين صداقات وإثراء قدرتهم على الصمود في وجه الحرب.
تجربة مازن الرشيد في السروراب
تقع السروراب في الريف الشمالي لمدينة أمدرمان والتي تأوي مئات الأسر النازحة والمتضررة منذ بداية الحرب في تكيّة السروراب، من خلال مطبخ مجتمعي ومركز رعاية صحية يخدم النازحين وأهالي السروراب. يحكي لنا مازن الرشيد الزين، مصور سوداني من السروراب، وهو أحد القائمين على التكيّة تجربته مع الأطفال والألعاب.
أشار مازن أن أولاد الحِلّة -وهم أطفال السكان المحليين في السروراب- كانوا يفضلون لعب الـ"دافوري" فيخرجون صباحًا إلى اللعب ويستمرون في لعبهم طوال اليوم حتى المغيب، وفي الجهة الأخرى يفضل الأطفال النازحون إلى السروراب لعب الطين وبناء البيوت من الكرتون والرسم ولعب البِلِّي وغيرها من الألعاب المختلفة. وهي نفس الألعاب التي لعبناها نحن ولعبها كبارنا منذ الأزل وما زال الأطفال يلعبونها الآن مع بعض التغييرات البسيطة، ولكن يظل أساس اللعبة كما هو. على سبيل المثال، في لعبة كَمْبَلَتْ، قام الأطفال بتبديل علب الصلصة بعبوات المياه المتوفرة لديهم.
قرر مازن تسليط الضوء على هذه الألعاب وجمع أولاد الحلة والنازحين سويًا في ألعاب تُنمِّي مواهبهم ومهاراتهم الإبداعية. بدأ ذلك بتنظيم مسابقة عربات البلاستيك لثمانية عشر طفلاً، ثم مسابقة بيوت الكرتون وبعدها أشكال طينية وكانت هذه فرصة لتعارف وتكوين صداقات بين أولاد الحلّة والنازحين. أُعجبت الأمهات تحديدًا بهذه النشاطات كونها ألعاب مفيدة يشغلون بها أوقات فراغهم، وتشارك الأمهات أحيانًا في المسابقات والألعاب مع أبنائهن.
وبعد التجاوب من الأطفال والأهالي، فكر في إعادة إحياء تقليد كان يقام سنويًا في السروراب وهي مسابقة القرية. وهي مسابقة يشارك فيها الكبار يترأسهم الجد وأبنائهم، يُكوّن فيها الآباء والأبناء فرقًا ليلعبوا ألعاب متنوعة ومتعددة ولكنها توقفت منذ زمن طويل. فأتت الفكرة أن يقام دوري للكرة وإقامة مسابقة القرية ما بين الشوطين. وتطويرها عن هيئتها الأصلية بإشراك الأمهات أيضًا، حيث كانت تقتصر مسابقة القرية وجمعات الشاي في المنطقة على الرجال فقط.
في جهة أخرى، تقوم الخالة سلوى، ذات السبعين عام، بصنع دمى "بنات أم لعاب" ببقايا الأقمشة والتياب القديمة، تبدأ بعملية "برم" القماش لعمل الجسم والرأس واليدين والرجلين ثم تختار القماش للفستان والتوب، ثم تقوم بوضع الخرز لتكون عينان للدمية أو رسمها بالقلم وتنتهي بصنع الشعر من القماش الأسود. بدأت الخالة سلوى بعمل هذه الدمى للفتيات الصغيرات في البيوت المجاورة لها، ثم أصبحت الفتيات الأخريات من النازحين وأهالي المنطقة يأتينها طلبًا لدمىً يلعبن بها.
تجربة السروراب هي مثال جيد لعرض طرق مختلفة لدعم الأطفال خلال الحرب والفترات العصيبة، فتقديم سبل لللعب والاستمتاع وممارسة طفولتهم هو مهم بأهمية تقديم أنواع الدعم الأخرى.
في الحيشان وفي زقاقات الحِلَّة وفوق المصاطب وتحت النيم: "شِليل وينو؟.. أكلو الدودو.. شِليل وين راح؟ .. أَكَلو التمساح".
عبارات أنشدناها أطفالًا أثناء البحث عن شِليل، وانتهى البحث بعثورنا على قطعة العظم أو الحجر "شِليل" الذي تمّ رميه. لعبة شِليل وغيرها من الألعاب ملأت أيامنا صغارًا، وتمثل جزءًا كبيرًا من نسيج ذكرياتنا كبارًا. تختلف الألعاب في السودان باختلاف المناطق واختلاف الموروث الثقافي الخاص بكل منطقة، وتتشابه في إسهامها في تعزيز الروابط الاجتماعية وتنمية المهارات البدنية والذهنية لدى الأطفال.
لا نحتاج إلى الكثير عند اللعب، فبعض الجوارب تكفي لصُنع كرة، وخرطوم المياه ممتاز للقفز، وطوبتين أو حذاء يكفي لتحديد المرمى، وبقايا الأقمشة التي نجدها في منازلنا تكفي لصنع دمى "بنات أم لعاب". ولا يقتصر اللعب على الصغار، فـ"الدافوري"، وهي لعبة كرة القدم الشارع، يلعبها الجميع ويقام لها دوري في الأحياء.
الجدير بالذكر أن هذه الألعاب المختلفة كانت أُنساً لنا في طفولتنا قبل ظهور ألعاب الفيديو والقنوات المخصصة للأطفال، ولم تَخْلُ الشوارع والميادين من لعب الأطفال وأصوات صراخهم تشجيعًا لأحدهم أو شجارًا على اشتباه "خرخرة".
وربما ما أعاد شعبيتها لبيوت الخرطوم والمدن المختلفة التي هجر الأطفال "حيشانها" منذ زمن واُستبدلت بالألعاب الإلكترونية، هو انقطاع الإنترنت المتكرر في السنوات الأخيرة، وأزمة الكهرباء التي امتدت قطوعاتها لساعات طويلة، وأخيرًا الحرب التي هجّرتهم من منازلهم وانتهى بهم المطاف، إما في منازل أجدادهم وأقربائهم في الأقاليم أو في دور الإيواء والمدارس أو في معسكرات النازحين في ربوع السودان وخارجه. فها نحن الآن نرى الأطفال يلعبون ألعابًا لعبناها صغارًا ولعبها آباؤنا وأجدادنا من قبلنا، وبذلك تكون الألعاب منفذًا للأطفال يروحون بها عن أنفسهم وفرصة لبناء علاقات وتكوين صداقات وإثراء قدرتهم على الصمود في وجه الحرب.
تجربة مازن الرشيد في السروراب
تقع السروراب في الريف الشمالي لمدينة أمدرمان والتي تأوي مئات الأسر النازحة والمتضررة منذ بداية الحرب في تكيّة السروراب، من خلال مطبخ مجتمعي ومركز رعاية صحية يخدم النازحين وأهالي السروراب. يحكي لنا مازن الرشيد الزين، مصور سوداني من السروراب، وهو أحد القائمين على التكيّة تجربته مع الأطفال والألعاب.
أشار مازن أن أولاد الحِلّة -وهم أطفال السكان المحليين في السروراب- كانوا يفضلون لعب الـ"دافوري" فيخرجون صباحًا إلى اللعب ويستمرون في لعبهم طوال اليوم حتى المغيب، وفي الجهة الأخرى يفضل الأطفال النازحون إلى السروراب لعب الطين وبناء البيوت من الكرتون والرسم ولعب البِلِّي وغيرها من الألعاب المختلفة. وهي نفس الألعاب التي لعبناها نحن ولعبها كبارنا منذ الأزل وما زال الأطفال يلعبونها الآن مع بعض التغييرات البسيطة، ولكن يظل أساس اللعبة كما هو. على سبيل المثال، في لعبة كَمْبَلَتْ، قام الأطفال بتبديل علب الصلصة بعبوات المياه المتوفرة لديهم.
قرر مازن تسليط الضوء على هذه الألعاب وجمع أولاد الحلة والنازحين سويًا في ألعاب تُنمِّي مواهبهم ومهاراتهم الإبداعية. بدأ ذلك بتنظيم مسابقة عربات البلاستيك لثمانية عشر طفلاً، ثم مسابقة بيوت الكرتون وبعدها أشكال طينية وكانت هذه فرصة لتعارف وتكوين صداقات بين أولاد الحلّة والنازحين. أُعجبت الأمهات تحديدًا بهذه النشاطات كونها ألعاب مفيدة يشغلون بها أوقات فراغهم، وتشارك الأمهات أحيانًا في المسابقات والألعاب مع أبنائهن.
وبعد التجاوب من الأطفال والأهالي، فكر في إعادة إحياء تقليد كان يقام سنويًا في السروراب وهي مسابقة القرية. وهي مسابقة يشارك فيها الكبار يترأسهم الجد وأبنائهم، يُكوّن فيها الآباء والأبناء فرقًا ليلعبوا ألعاب متنوعة ومتعددة ولكنها توقفت منذ زمن طويل. فأتت الفكرة أن يقام دوري للكرة وإقامة مسابقة القرية ما بين الشوطين. وتطويرها عن هيئتها الأصلية بإشراك الأمهات أيضًا، حيث كانت تقتصر مسابقة القرية وجمعات الشاي في المنطقة على الرجال فقط.
في جهة أخرى، تقوم الخالة سلوى، ذات السبعين عام، بصنع دمى "بنات أم لعاب" ببقايا الأقمشة والتياب القديمة، تبدأ بعملية "برم" القماش لعمل الجسم والرأس واليدين والرجلين ثم تختار القماش للفستان والتوب، ثم تقوم بوضع الخرز لتكون عينان للدمية أو رسمها بالقلم وتنتهي بصنع الشعر من القماش الأسود. بدأت الخالة سلوى بعمل هذه الدمى للفتيات الصغيرات في البيوت المجاورة لها، ثم أصبحت الفتيات الأخريات من النازحين وأهالي المنطقة يأتينها طلبًا لدمىً يلعبن بها.
تجربة السروراب هي مثال جيد لعرض طرق مختلفة لدعم الأطفال خلال الحرب والفترات العصيبة، فتقديم سبل لللعب والاستمتاع وممارسة طفولتهم هو مهم بأهمية تقديم أنواع الدعم الأخرى.
وعاء قهوة جبنة
وعاء قهوة جبنة
وعاء قهوة من الفخار أو ما يسمى بالجبنة، يستخدم لمشاركة القهوة الحلوة للاستمتاع بها مع الأصدقاء وأفراد الأسرة.
AF1948,06.32
تم العثور عليها/الحصول عليها: أم درمان
تاريخ الاستحواذ: ١٩٤٨
© أمناء المتحف البريطاني. تمت مشاركتها تحت إسناد المشاع الإبداعي-
رخصة غير تجارية من نوع ALIKE 4.0 International (CC BY-NC-SA 4.0).
وعاء قهوة من الفخار أو ما يسمى بالجبنة، يستخدم لمشاركة القهوة الحلوة للاستمتاع بها مع الأصدقاء وأفراد الأسرة.
AF1948,06.32
تم العثور عليها/الحصول عليها: أم درمان
تاريخ الاستحواذ: ١٩٤٨
© أمناء المتحف البريطاني. تمت مشاركتها تحت إسناد المشاع الإبداعي-
رخصة غير تجارية من نوع ALIKE 4.0 International (CC BY-NC-SA 4.0).
وعاء قهوة من الفخار أو ما يسمى بالجبنة، يستخدم لمشاركة القهوة الحلوة للاستمتاع بها مع الأصدقاء وأفراد الأسرة.
AF1948,06.32
تم العثور عليها/الحصول عليها: أم درمان
تاريخ الاستحواذ: ١٩٤٨
© أمناء المتحف البريطاني. تمت مشاركتها تحت إسناد المشاع الإبداعي-
رخصة غير تجارية من نوع ALIKE 4.0 International (CC BY-NC-SA 4.0).
المسجد الكبير
المسجد الكبير
كان المسجد في عهد الإمام المهدي فضاءً مفتوحاً، وبعد وفاته عام ١٨٨٥ م أُحيط بسور من الطين ليسع ٢٠ ألف مصلي. أُعيد بناء السور بالطوب المحروق وتبييضه بالجير الأبيض عام ١٨٨٩ م، وأُضيف للسور ثمانية أبواب منها باب خشبيّ كبير يقابل بيت الخليفة، بينما كانت الأبواب الأخرى مجرد فتحات.
كان للمسجد محراب بالجانب الشرقي، وقد كان مُخصّصاً للخليفة ليصلي بالناس يومياً، عدا الجمعة، وفي الناحية الغربية للمسجد كان يوجد جناح مخصص للنساء للصلاة، والتعليم الديني، وحلقات القرآن، وقراءة راتب الإمام المهدي. وإضافة إلى أداء الصلوات كانت ساحة المسجد مقراً لتنفيذ الأحكام على رؤوس الأشهاد. كانت الصلاة في المسجد الكبير إجبارية. كما كان هناك ترتيب معين للمصلين خلف الخليفة عبد الله، وفي غيابه كان يُنيب عنه العلماء.
بعد معركة كرري وظف اللورد كتشنر مساحة المسجد الكبير ملعباً وساحة لاستعراض الجيش. وفي سبعينيّات القرن الماضي هُدمت الجهات الشمالية والشرقية والغربية للسور لتحويله لحديقة عامة، إلا أن المشروع لم يُكلل بالنجاح.
يُعد المسجد الآن من أكبر المساحات فضاءً في أم درمان، وتمارس فيه المناسبات الدينية كصلاة العيدين، واحتفالات المولد النبوي، والاحتفالات الوطنية. وكانت مدينة أم درمان تزدان بأبهى حللها في المواسم الدينية، فتُرفع الرايات، ويَستعرِض الجيش، وتُدق الطبول، ويخرج الخليفة عبد الله في موكبه العظيم.
قبل أن يعرف مسجد الخليفة باحتفالات المولد النبوي الشريف كان الأنصار يحتفلون بالرجبية (يُوافق٢٧ رجب من كل سنة) ،وعيد الفطر، وعيد الأضحى. و كان عيد الأضحى أهمّ الأعياد، وذلك لأن المدينة كانت تستقبل أعداداً هائلة من القادمين لزيارتها، أو استجابة لطلب الخليفة عبد الله. وكان الخليفة عبد الله يدعو أمراء العمالات وقادتها في عيد الأضحى لتجديد الولاء، وطرح المشاكل ووضع الحلول لها، كما أنّه كان يستنفر القبائل المشكوك في ولائها، ويجبرها على القدوم إلى المدينة وإعلان الطاعة له.
كان المسجد في عهد الإمام المهدي فضاءً مفتوحاً، وبعد وفاته عام ١٨٨٥ م أُحيط بسور من الطين ليسع ٢٠ ألف مصلي. أُعيد بناء السور بالطوب المحروق وتبييضه بالجير الأبيض عام ١٨٨٩ م، وأُضيف للسور ثمانية أبواب منها باب خشبيّ كبير يقابل بيت الخليفة، بينما كانت الأبواب الأخرى مجرد فتحات.
كان للمسجد محراب بالجانب الشرقي، وقد كان مُخصّصاً للخليفة ليصلي بالناس يومياً، عدا الجمعة، وفي الناحية الغربية للمسجد كان يوجد جناح مخصص للنساء للصلاة، والتعليم الديني، وحلقات القرآن، وقراءة راتب الإمام المهدي. وإضافة إلى أداء الصلوات كانت ساحة المسجد مقراً لتنفيذ الأحكام على رؤوس الأشهاد. كانت الصلاة في المسجد الكبير إجبارية. كما كان هناك ترتيب معين للمصلين خلف الخليفة عبد الله، وفي غيابه كان يُنيب عنه العلماء.
بعد معركة كرري وظف اللورد كتشنر مساحة المسجد الكبير ملعباً وساحة لاستعراض الجيش. وفي سبعينيّات القرن الماضي هُدمت الجهات الشمالية والشرقية والغربية للسور لتحويله لحديقة عامة، إلا أن المشروع لم يُكلل بالنجاح.
يُعد المسجد الآن من أكبر المساحات فضاءً في أم درمان، وتمارس فيه المناسبات الدينية كصلاة العيدين، واحتفالات المولد النبوي، والاحتفالات الوطنية. وكانت مدينة أم درمان تزدان بأبهى حللها في المواسم الدينية، فتُرفع الرايات، ويَستعرِض الجيش، وتُدق الطبول، ويخرج الخليفة عبد الله في موكبه العظيم.
قبل أن يعرف مسجد الخليفة باحتفالات المولد النبوي الشريف كان الأنصار يحتفلون بالرجبية (يُوافق٢٧ رجب من كل سنة) ،وعيد الفطر، وعيد الأضحى. و كان عيد الأضحى أهمّ الأعياد، وذلك لأن المدينة كانت تستقبل أعداداً هائلة من القادمين لزيارتها، أو استجابة لطلب الخليفة عبد الله. وكان الخليفة عبد الله يدعو أمراء العمالات وقادتها في عيد الأضحى لتجديد الولاء، وطرح المشاكل ووضع الحلول لها، كما أنّه كان يستنفر القبائل المشكوك في ولائها، ويجبرها على القدوم إلى المدينة وإعلان الطاعة له.
كان المسجد في عهد الإمام المهدي فضاءً مفتوحاً، وبعد وفاته عام ١٨٨٥ م أُحيط بسور من الطين ليسع ٢٠ ألف مصلي. أُعيد بناء السور بالطوب المحروق وتبييضه بالجير الأبيض عام ١٨٨٩ م، وأُضيف للسور ثمانية أبواب منها باب خشبيّ كبير يقابل بيت الخليفة، بينما كانت الأبواب الأخرى مجرد فتحات.
كان للمسجد محراب بالجانب الشرقي، وقد كان مُخصّصاً للخليفة ليصلي بالناس يومياً، عدا الجمعة، وفي الناحية الغربية للمسجد كان يوجد جناح مخصص للنساء للصلاة، والتعليم الديني، وحلقات القرآن، وقراءة راتب الإمام المهدي. وإضافة إلى أداء الصلوات كانت ساحة المسجد مقراً لتنفيذ الأحكام على رؤوس الأشهاد. كانت الصلاة في المسجد الكبير إجبارية. كما كان هناك ترتيب معين للمصلين خلف الخليفة عبد الله، وفي غيابه كان يُنيب عنه العلماء.
بعد معركة كرري وظف اللورد كتشنر مساحة المسجد الكبير ملعباً وساحة لاستعراض الجيش. وفي سبعينيّات القرن الماضي هُدمت الجهات الشمالية والشرقية والغربية للسور لتحويله لحديقة عامة، إلا أن المشروع لم يُكلل بالنجاح.
يُعد المسجد الآن من أكبر المساحات فضاءً في أم درمان، وتمارس فيه المناسبات الدينية كصلاة العيدين، واحتفالات المولد النبوي، والاحتفالات الوطنية. وكانت مدينة أم درمان تزدان بأبهى حللها في المواسم الدينية، فتُرفع الرايات، ويَستعرِض الجيش، وتُدق الطبول، ويخرج الخليفة عبد الله في موكبه العظيم.
قبل أن يعرف مسجد الخليفة باحتفالات المولد النبوي الشريف كان الأنصار يحتفلون بالرجبية (يُوافق٢٧ رجب من كل سنة) ،وعيد الفطر، وعيد الأضحى. و كان عيد الأضحى أهمّ الأعياد، وذلك لأن المدينة كانت تستقبل أعداداً هائلة من القادمين لزيارتها، أو استجابة لطلب الخليفة عبد الله. وكان الخليفة عبد الله يدعو أمراء العمالات وقادتها في عيد الأضحى لتجديد الولاء، وطرح المشاكل ووضع الحلول لها، كما أنّه كان يستنفر القبائل المشكوك في ولائها، ويجبرها على القدوم إلى المدينة وإعلان الطاعة له.
صوت الخرطوم
صوت الخرطوم
تقدم هذه الحلقة لمحة عامة عن المشهد الموسيقي البديل في الخرطوم خلال الستين عامًا الماضية عبر النظر في التأثيرات المختلفة التي أدت لظهور موسيقى الجاز، الزنق والراب في النطاق الحضري. نقدم لمحة عن تقاطعات هذه الموسيقى مع الطبقة الاجتماعية والسياسة في الخرطوم وكيف أن هذه المنتوجات الثقافية السودانية لم تمر عبر قنوات المؤسسات الإعلامية الرسمية إلا بشكل محدود وبالتالي أصبحت موسيقى مهمشة.
فعبر المقابلات التي أجريناها مع أصوات سودانية من رواد فنّي الجاز والزنق في هذه الحلقة وسردنا لقصصهم، نناقش التفرقة الثقافية والوصمة الاجتماعية التي تفرضها النخب المهيمنة على الموسيقى البديلة، ونوضح أنه كيف برغم هذه الظروف تحولت موسيقى الجاز الزنق والراب إلى موسيقى شائعة في السودان من خلال المنصات البديلة، مثل الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.
من خلال هذا البودكاست ندعو الشابات والشباب للمشاركة في توثيق الموسيقى البديلة ودعمها من خلال الوسائل الرسمية وغير الرسمية.
عمل على إنتاج الحلقة كل من:
الباحثين: لينة شبيكة، المزن محمد الحسن، مي أبو صالح، والرصة.
تقديم وإنتاج: المزن محمد الحسن ومحمد عبد العزيز.
تحرير: المزن محمد الحسن، فريق تحرير الرصة، SB249 من راكوبة راب، وهاشدوك.
موسيقى: الزين ستوديو.
ميكساج: طارق سليمان.
إدارة: زينب عثمان.
معدات ومساعدة تقنية: المصطبة TV.
تم التسجيل بأستوديو Rift Digital Lab.
تقدم هذه الحلقة لمحة عامة عن المشهد الموسيقي البديل في الخرطوم خلال الستين عامًا الماضية عبر النظر في التأثيرات المختلفة التي أدت لظهور موسيقى الجاز، الزنق والراب في النطاق الحضري. نقدم لمحة عن تقاطعات هذه الموسيقى مع الطبقة الاجتماعية والسياسة في الخرطوم وكيف أن هذه المنتوجات الثقافية السودانية لم تمر عبر قنوات المؤسسات الإعلامية الرسمية إلا بشكل محدود وبالتالي أصبحت موسيقى مهمشة.
فعبر المقابلات التي أجريناها مع أصوات سودانية من رواد فنّي الجاز والزنق في هذه الحلقة وسردنا لقصصهم، نناقش التفرقة الثقافية والوصمة الاجتماعية التي تفرضها النخب المهيمنة على الموسيقى البديلة، ونوضح أنه كيف برغم هذه الظروف تحولت موسيقى الجاز الزنق والراب إلى موسيقى شائعة في السودان من خلال المنصات البديلة، مثل الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.
من خلال هذا البودكاست ندعو الشابات والشباب للمشاركة في توثيق الموسيقى البديلة ودعمها من خلال الوسائل الرسمية وغير الرسمية.
عمل على إنتاج الحلقة كل من:
الباحثين: لينة شبيكة، المزن محمد الحسن، مي أبو صالح، والرصة.
تقديم وإنتاج: المزن محمد الحسن ومحمد عبد العزيز.
تحرير: المزن محمد الحسن، فريق تحرير الرصة، SB249 من راكوبة راب، وهاشدوك.
موسيقى: الزين ستوديو.
ميكساج: طارق سليمان.
إدارة: زينب عثمان.
معدات ومساعدة تقنية: المصطبة TV.
تم التسجيل بأستوديو Rift Digital Lab.
تقدم هذه الحلقة لمحة عامة عن المشهد الموسيقي البديل في الخرطوم خلال الستين عامًا الماضية عبر النظر في التأثيرات المختلفة التي أدت لظهور موسيقى الجاز، الزنق والراب في النطاق الحضري. نقدم لمحة عن تقاطعات هذه الموسيقى مع الطبقة الاجتماعية والسياسة في الخرطوم وكيف أن هذه المنتوجات الثقافية السودانية لم تمر عبر قنوات المؤسسات الإعلامية الرسمية إلا بشكل محدود وبالتالي أصبحت موسيقى مهمشة.
فعبر المقابلات التي أجريناها مع أصوات سودانية من رواد فنّي الجاز والزنق في هذه الحلقة وسردنا لقصصهم، نناقش التفرقة الثقافية والوصمة الاجتماعية التي تفرضها النخب المهيمنة على الموسيقى البديلة، ونوضح أنه كيف برغم هذه الظروف تحولت موسيقى الجاز الزنق والراب إلى موسيقى شائعة في السودان من خلال المنصات البديلة، مثل الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.
من خلال هذا البودكاست ندعو الشابات والشباب للمشاركة في توثيق الموسيقى البديلة ودعمها من خلال الوسائل الرسمية وغير الرسمية.
عمل على إنتاج الحلقة كل من:
الباحثين: لينة شبيكة، المزن محمد الحسن، مي أبو صالح، والرصة.
تقديم وإنتاج: المزن محمد الحسن ومحمد عبد العزيز.
تحرير: المزن محمد الحسن، فريق تحرير الرصة، SB249 من راكوبة راب، وهاشدوك.
موسيقى: الزين ستوديو.
ميكساج: طارق سليمان.
إدارة: زينب عثمان.
معدات ومساعدة تقنية: المصطبة TV.
تم التسجيل بأستوديو Rift Digital Lab.